عَطْبَرِيَّات
"12"
لم يعد الحمار للدار
في بداية العام 1981م إبان الموسم الثقافي في فعاليات دار السودان
بالإسكندرية حلَّ علينا ضيفاً أحد المؤرخين لطباعة كتابه ( ديسمبر 1955).
حملت معه الهم ورافقته إلى مطبعة شهيرة في حي المنشية الحي التجاري العريق.
ومن ثم كانت لي نسخة منه تشهدها مكتبتي في دار تعرضت للنهب بكل تاكيد متحملاً
معاناة كيد سخيف.
وحكى استاذ التاريخ خلال ليالي عديدة ما كان تبصرة نعيد فيها العبرة في
دروس يتقاطر منها الألم.
ذات هذا التاريخ (ديسمبر 1955) كان هناك أحد الشباب وقد رزق إبناً في عطبرة
يقود قاطرة البخار تلفحه نار الفحم الحجري يجوب السكة فلنكة فلنكه في حوافها قضبان
السكة الحديد.
لا يبالي بالزيوت والعرق والبرد والغبار في رحلة يخلق بها السعادة في وطن
الخير.
كبر هذا الإبن وصار رفيقاً في دروب المدارس وإن اختلفت بحكم الوضع الجغرافي
في مدينة عطبرة.
ولكن ديدننا التعارف.
إلى أن حانت الدراسة الثانوية في المعهد العريق المطل على ملتقى الأتبراوي بالنيل الخالد (
مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية بنين ) الذي ضمنا لثلاثة أعوام دراسية لكنها مع
تعثر السياسة والاضرابات كانت الحصيلة د ون سقف سبعة عشرشهراً.
ولكن نتيجة القبول حملته لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة الخرطوم
ليعمل بذات ورش عطبرة الشهيرة مواصلاً رسالة الحديد والنار في الوطن الكبير.
ومرت سنوات الخبير لأجده في جنبات الانتداب في شركة النيل للأسمنت في مدينة
ربك والتقيت زوجه في ردهات البنك في مدينة كوستي.
واعدنا الذكريات وزمالة نتحدث عنها وبيننا آلاف الأميال.
حدثت عاديات الزمان لتتوقف في 19 ديسمبر 2018م لتكون حريقة قلب أم وفؤاد
رجل استقرت طلقة لا يتجادل فيها أن عقل من قام بقذفها يتساوى مع فوهة البندقية.
تقدم الشاب صفوف الثائرين يصنع الثورة...
حين توقد شرارة صغيرة شعلة ثورة لن تبقى شرارة بل ستغدو شعلة بحد ذاتها..
سلام للوطن..
لانحارب الطغاة لنخرج من الحرب أبطالاً ...
بل نحاربهم لأنهم طغاة.
الطغاة البغاة.
هذا قول الشباب ولن يتبدل..
ساءت أحوال البلاد والعباد مع الأيام لنقف على حدث فريد في امسية يتناول
فيها الناس طعام الصيام في مدينة مطمئنة
أن الحمار يعود للدار في خاتمة يومه.( الثلاثاء 2 أبريل 2024م في عطبرة).
ولكن الحمار لم يعد.
فقد اصاب المقذوف الحمار فمات فدي للوطن ممن يريد له الخراب.
الثأر لهذا الحمار يكون جزاءً وفاقاً في وادي الحمار.
ليدفن هؤلاء في أرضها إسوة لمن كان في استقبال رمضان 1975 وقد حرمنا
يومها من وداع أهالينا إبتغاء سفرية
للعمرة جوار الكعبة البلد الحرام.
حينما أغلقت الشوارع بوقوع إنقلاب.
تمت محاكمة قادته في عطبرة وولوجوا الوادي.
أيها المتلبس الكاكي لا خدمة للجندية بل قتلاُ وترويعاً في عطبرة.
لك من الله في وادي الحمار مصيراً.
صلاح عثمان
الاسكندرية 3 أبريل 2024م