صوت الضمير المتحشرج
العقيد بن دحو
أيٌُ صوت يريدونه لنا ، و أي انسانية ، و أي فن ، و أي وازع فرداني أو جمعي
تيريده لنا ذاك الآخر.
و أي ستارة يريدونها أن ترفع و الحرب على غزة تطحن البشر و الحجر و الشجر
طحنا . ذنبهم الوحيد فتية آمنت بعدالة قضيتهم ؛ فلسطين وطننا و غزة مسكننا ، و ليس
لهم وطنا تحت هذه السماء غير هذا الطود الكنعاني (الفِلِسْطة) تسكنهم ايمانا و احتسابا.
منذ الازل كابرا عن كابر ، رغم اشواك غرور (شمشون) و رغم ايمانهم بأنهم لا يزالون
يجنون من الشوك العنب ، و من الأسد العسل ، و من وشاية ( دليلة) تهديم المعبد على
من فيه ، عليهم و على اعدائهم يا رب !.
ألم ير هؤلاء أصحاب أسطورة الضمير الإنساني ، الذي طالما كسروا لنا به
رؤوسنا صبحا و مساءا ، ضحايا جثت الأطفال الفلسطينيين تملأ الشوارع !؟
أين كانوا هؤلاء يوم و لا يزال كل متخرك على أرض قطاع غزة مشروع قتل ،
ممنهج و مبرمج سلفا !؟
كان من المفروض على أولئك المنظمين لإحتفالية 27 مارس او ما يسمى اصطلاحا
" اليوم العالمي للمسرح" ، سواء كان المعهد الدولي للمسرح العالمي أو
هيئة اليونسكو أن يعتبروه يوما ابيضا أو يوما أسودا صامتا دون احتفال صفر نشاط
درامي مسرحي ، تشابهت علينا الألوان و الأشكال مادامت الأفعال منذ فجر التاريخ هي
هي... لم يتغير منها شيئا.
مالذي كان يضير لو كان للعرب مجلسا قوميا و طنيا او تجمعا اسلاميا او مجلسا
للدفاع عن الثقافية و الفنون لأعتبروا هذا اليوم يوم حداد على الانسانية جمعاء ،
يوما التضامن الفلسطيني عوض هذا الإحتفال المسرحي الأرعن.
يوم تُطفأ فيه أضواء صالة العرض المسرحي ، و تخلو الخشبة المسرحية من أي شيء
، من الديكور و من سائر الإكسسوارات الأخرى ، من جميع المؤترات. تُفرغ من الممثلين
، ثم يُطلق العنان للصوت الطفل الفلسطيني ، يعبر عن مأساة عزاء الإنسان. يخرج
ارجاء جنبات المسرح. أحسن معبرا عن أبادة الطفل أبا الإنسان و الطفل أبا الرجل ،
تلك الحكمة التي علمتموها لنا قشور شعارا دون لبا: " ولد تعلمه اليوم رجلا
تنقذه غدا" !
اي طفل ، و أي انقاذ ، و اي رجل !؟
اتسال اين تلك الهيئات و الهياكل و التنظيمات الأممية القاضية بالرعاية و
الحماية و الدفاع عن الحقوق الطفل و الإنسان ، أين اليونسيف و أين اليونسكو و
الاليسكو !؟
كان بودي أن تتوقف تلك المهزلة البارحة المسماة لإحتفال باليوم العالمي
للمسرح ، حتى يعلم العالم أن المسرح تحررا و مساواة وحوار و رسالة أنسانية عميقة
الجذور ، اكثر من شرف تلك الكلمة و من نبل ذاك المعنى و دفء الحياة ، و أيٌُ حياة
!؟ و الموت بلا صفات يستنسر في غزة.
ما يؤلم حقا أن بعض العروض التي عرضت البارح كانت بإسم الأطفال !
لا خير في مسرح ان لم يكن (غرامشيا) متخندقا مع قضايا وطنه و أمته ،
متضامنا ، متعاضدا لا تأخذه لومة لائم.
البارحة عشنا الأمرين معا ، مأساة المسرح في يومه العالمي كما قرره و سموه
الكبار ، و مأساتنا نحن - أهل طرب و حماقة ، يموت الزمار و أصابعه تلعب !
أو على من كنا البارحة نفرح ونلعب على خيباتنا او انتكاساتنا ، و لا ندري
ما ذا نفعل.
الغريب أن الواحد منا يضحك وهو لا يدري لماذا يضخك ، و يبكي و لا يدري
لماذا يبكي ! ققط وجد الناس تحتفل فأحتفل ، خشية من يقال له أنت لا تحتفل.
ظاهرة تراجيدية فعلا شبيهة بإنسان يونسكو في مسرحية من نسرحياته "
الخراتيت" ، و هي حيوانات غريبة ظهرت فجأة لا أحد يعرف من أين جاءت ، فقط
جاءت تبث الرعب و الخوف في أنفس البشر ، كل من يلقي نظره عليها يتحول الى خرتيت
الا شخص واحد فضل أن يعيش انسانا متحاملا على نفسه !.
أي ضمير في ليلة أمس كان يبتغوه لنا ، نغذيه بالندم ، لعبة دور الضحية و
الجلاد ، هاملت الممثل و هاملت القصة ، المسرح داخل المسرح ، هاملتية حالة جديدة.
يريدوننا أن ندور في حلقة دوامة مفرغة حسب نظرية الدوائر الخربة (بورجس) ، ما هذا
العالم الذي نعيشه ما هو الاعالم داخل عالم أضخم منه....حوت داخل حوت ، و حوت يأكل
حوت !
أي ضمير يا أصحاب معالي التنظير ، فضحتكم و عرتكم و مشفت عنكم الغطاء.....
غزة و شهداء غزة..أي مسرح (مسرحتموه) علينا البارحة أهي للكبار ام للصغار أم لجمبع
الأعمار مادام الحرب على غزة ترمي بقنابل الموت على الجميع !
أهي مسرحية (بروميثوس سجينا مقيدا) أم (بروميثوس حرا طليقا) !؟
تشابه مع الفارق ، ان نتحامل على انفسنا و نغذي ضميرنا بالندم و هو أنفع او
نشهر أسلحتنا و نقتله نهائيا و نحتفل و نمضي ما دامت النار في بيت جارنا....!
الإشكال أن نبحث في أصل و فصل بروميثوس نفسه ، ذاك الاله الميثولوجي
الإغريقي محب البشر ، سرق النار للبشر من مملكة السماء ، أُلقي عليه القبض ، و
قُيًد عند جذع شجرة و قيل عند صخرة عظيمة ، تنهش وحش الطير كبده ليلا ليتجدد نهارا
.
أحيانا الواحد منا يتحامل على نفسه و يغذي ضميره بالندم. الضمير هنا هو وحش
الطير و الكبد هو الندم..هؤلاء الذين أشبعونا رسائل منذ 1962 قتلوا نهائيا و حش
طيرهم ، و بالتالي لم يرف لهم جفن واحد ؛ و لا طرفة عين ، و لم يهتز لهم خاطر و لا
شعور ، بدم بارد بعثوا بتغريدتهم ارجاء مسارح العالم يذكرون بالإنسانية التي لا
تزال تُقتل و تُسحق و تُدمر على المباشر دون قلب من على ارض غزة.
لكن ليسوا في هؤلاء المنظرين العالميبن (الكبار) ، الذين في كل مرة يملون
علينا رغباتهم السادية ، العيب فينا نصدق أراجيفهم و أكاذيبهم ، نردد و نرتل
وراءهم أسفار تعاويذ مسيلمة الكذاب !
طوبى لمن لم يحتفل البارحة بمسرحهم العالمي الجبان الخائف من قول كلمة حق .
ضميرهم مات.
البارحة هو اليوم العالمي لموت الضمير الانساني ، كانت كل كلمة تنشز ،
(تنشد) على خشبة مسرح فقير اعزل ، تخرج متحشرجة ، كل ما يمكن أن تقال كل شيئ مات
عندما يموت كل دقيقة خمسة اطفال فلسطينيين مات الضمير و ما بقي الا كلمة (أمل) Hope في حد
الصندوق تذكر بعودة بروميثوس يسرق للبشرية هذه المرة قبس شوط نار الحرية من مملكة
الشرفاء و أحرار العالم لعلنا نستيقظ من سبات أغلوطة أخلقة الفنون.