أيمن معروف
أنا رجل مرتبك .
أنا رجل مرتبك .
منذ أن ولدت وأنا أرتبك ، تقول أمّي .
يربكني النور ، فأبكي . ويربكني الظلام ، فأصرخ .
فترتبك أمّي لارتباكي ، ولا تعرف مالّذي تفعله .
تأخّرت في النطق .
ومرّ وقت طويل حتى عثرت على الكلمات .
فأربكني في البداية اسمي ثمّ أربكني ذلك التعريف
الهائل الطويل الذي يلازمني في الطريق ليدلّ
على شهرتي ويفارق ما أنا عليه .
لا اسم لي ،
وأُمّي الّتي تُناديني كلّما رَنَّ في حيطانِ البيتِ
صدى الفراغِ يا أيمن إنّما تفعلُ ذلك ،
كيْ تطمئنّ .
ليس عندي صفحة على الفيس بوك .
وما تقرأه السّابلةُ أو المارّةُ في هذا العالَمِ الأزرقِ
ليس سوى وهمٍ من أوهام الذّاكرةِ الافتراضيّة
الّتي أدمَنَتْها حالة نشطة لرجلٍ
لا يُجيدُ أيّ أمل .
فما من أحد يعرفني
وأنا أحاول ما بوسعي أن أفسّر هذا الفارق الغريب
وأكتب وأبرّر الحياة وأسأل من أين
جاءت لي شهرة اسمي العميمة .
°°
أنا رجلٌ بطيءٌ جدّاً .
وُلدتُ في عامٍ بطيءٍ . واستغرقتُ عمراً كاملاً
كي أخرجَ منه وعندما التفتُّ على النّهارِ
كانَ اللّيلُ قد حلّ .
أقرأ ببطءٍ ،
حتّى أنّي فقدتُ ذاتَ يومٍ عيني اليمنى وأنا أقرأ .
وأكتبُ ببطءٍ ، حتّى أنّي فقدتُ مع الوقتِ
وأنا أكتب أصابعي .
أقراني ، جميعهم ذهبوا
إلى بيت القصيدة ، هناك . وأنا ، من فرطِ ما أنا فيه
رحتُ أنتظرُ في بابِها الشّقيان ، وحدي .
كلّ قصائدي سببها البطء .
أنا رجلٌ بطيءٌ جِدّاً .
آتي إلى القصيدةِ وتكونُ قد سبقَتْني إلى هناكَ
الكلمات .
•••
أنا رجلٌ موهوم .
يشغلني، هذا العالم المليء بالمدوّنات والنّصوص
والقصائد والكتب والرُّقُم الافتراضيّة ، كما لو
أنّه وهمٌ من أوهام السّاعة .
أبذل ، ما بوسعي كي ألاحق وهمي
وأطارده من مكان إلى مكان ومن موقع إلى موقع
ومن حانة إلى حانة ومن مدوّنة إلى مدوّنة ،
وكأنّ الساعة آتية لا ريب فيها .
أقرأ ،
كما لو أنّي أعيش أبداً . وأكتب ،
كما لو أنّي أموت غداً .
أصغي ، إلى المَروِيّات المدهشة على
أكمام الورد عاشقاً تلك المياسم البريّة المذهلة
في حقل الشوفان ، التي لا يلتفت إليها أحد .
لا أكترث ، بكلِّ ما هو خارج الكلمات .
فالكلمات ، في رأيِ خادمِي الوهم : هي العالَم .
هكذا ، ألهثُ وراء الكلمات
وأنا أدفعُ عمري من أجل وهمٍ كبير . ربّما ،
كيْ أقع في النّهايةِ على ثلاث أو أربع جُمَلٍ عنِ الموت .
أحدق في تلك الهاوية الكبيرة ،
التي التهمت في الطريق كل شيء .
•••
أنا رجلٍ مرهق .
بالكاد أتنفّسُ هواءَ العالَمِ ، وبالكاد أسمعُ صوتَ
منْ حولي . وبالكاد ، أستطيعُ أنْ أتلمّسَ
طريقي إلى واحةِ ما أريد .
سمائي شاحبةٌ كفاية .
وروحي متّشحةٌ بيخضورٍ كاذبٍ وقلبي تتناقصُ
دقّاتُهُ على نحوٍ فظيع .
رجل مرهق لا تعنيه القيامات .
يجلسُ على الحافة ، هناك ، عند هاويةٍ بعيدةٍ
يحلم ويفكر ويناقشُ في أمرِ الهواء .
•••
أنا رجلٌ مهزوم .
رجلٌ تركهُ الانتظارُ على حافةِ الحياةِ
ولم يمنحْهُ شيئاً .
حياتي لا تتعدّى الكلمات
وأحياناً أفكّرُ أنْ أضعها على حائطِ الفيسبوك
وأمضي إلى امتحاني الأخير .
رجل مهزوم . بيني وبين هذا العالَمِ سوءُ تفاهم .
أعيشُ وهمي الخاصّ ولا أستطيعُ تعميمَ
خصوصيّتي على أحد .
•••
أنا رجل حائر .
لا يعنيني الحديثُ عنِ القياماتِ .
القساوسةُ يعرفونَ ذلكَ
وأبناءُ الحلالِ والطّيّبونَ وأشقّائي الغاوونَ مثلي
تركتُ ما يُقاربُ
نصفَ دقّاتِ قلبي هناكَ على طرَفِ الشك ولمْ أجد
في لحظةِ تيهٍ مَنْ يبدّد حيرتي
رجل حائر .
وما مَن يُعيد لقواربي المكسّرةِ على شاطئِ الليل
بعضَ هواءٍ يجعلُ منَ المكانِ صالحاً للإقامةِ .
•••
أنا رجلٌ يائس .
أنفقتُ عمراً بحاله أشرح للعتمة أخلاق الضوء .
فشلتُ في أن أكون
موظّفاً في البيتِ أو في القصيدة أو العالم .
أمرّن الكلمات على الشّكّ
وأنا أنهب صلصال التراب من أجل عروة ممكنة
في قميصٍ مقدود الجهات .
يائس ،
أطلق قفطان الكلام في حقول الكتابة ،
وأصرخ ، :
كل هذا الظلام ، يا إلهي ، جلبناه معنا عندما
أتينا إلى هذا العالم .
•••
أنا رجلٌ مجنون ،
حاولتُ أن أكونَ أنا ، هكذا ، دونَ كلمات .
ولدٌ ، نحيل أبيض الملامح ومشوّش
من دون قصد .
أُنجزُ شيئاً ما ،
عنِ النّهار قبل أنْ يتفصَّدَ عرقُ اللّيل من جبيني .
أركضُ ، في حقلِ الشّوفان وأتبعُ
طريقَ الحَجَل .
آخذُ تذكاراً لي ،
بينَ زهورِ عبّادِ الشّمسِ في أوّلِ وهدةٍ في الجبال
وأنا أستسلمُ للغروبِ ، وأبتسمُ .
لم أدع حجّة للكلمات
وهي تسبقُني إلى ما أريدُ وما لا أريدُ .
أتركُ القصيدةَ ، هكذا ، و.. أمضي .
.. أتركُها للبياض .
•••
أنا رجل مرتبك .
رجل بطيء ، رجل حائر ، وموهوم ،
ومهزوم ، ومجنون ، ويائس ،
أكتب مثلما يكتب
الشعراء المجانين ولا يسعفني الوقت
كي أفعل مثلما يفعلون .
•••