محمد زهران
المصريون العاملون بالخارج محسودون !!!
يعتقد الكثير من المصريين بالداخل أن المصريين العاملين بالخارج يغرفون من بحر ليس له قرار ؛ وأن الفلوس معاهم رزم رزم ؛ والدهب سبايك سبايك ؛ والعمارات بحري بحري ، والأرض القبلية بتتسقي بالراحة ( كما ورد في أحد أفلام الأبيض والأسود ) ؟ !! ؛ والحقيقة أن المصريين العاملين بالخارج لايقلون شقاءً عن المصريين بالداخل ، بل هم أكثر شقاءً منهم .
السؤال : لماذا هاجر أو تعاقد أو أُعير هؤلاء المصريون ؟ ، والإجابة : لضيق
الرزق هنا ، أو للبحث عن ظروف عمل أفضل وتحسين المستوى المعيشي ، فيخرج هؤلاء
قاصدين وجه كريم لتحقيق غايتهم من السفر ، فلو سافر وهو شاب في مقتبل العمر ، يظل
يعمل سنوات متواصلة كلها شقاء ، لتوفير مسكن الزوجية ومعه مشتملات الزواج من مهر
وشبكة وعفش وغيرها ، والجميع يتعامل معه على أنه ( مسافر بره ) ، وأهل العروسة -
طبعاً - يغالون في الطلبات ، فيخرج من رحلة البحث عن عروسة ثم الزواج يخرج خالي
الوفاض ( يعني يا مولاي كما خلقتني ) ؛ فيبدأ رحلة توفير حياة كريمة للزوجة بحكم
إنه مسافر بره ؛ ثم مستوى معيشي معين للأولاد ؛ ومدارس خاصة ودولية ؛ فلا يستطيع
الخروج من دائرة الأشغال الشاقة مدى حياته للحفاظ على المستوى المعيشي للأسرة التي
اعتادوا عليها ؛ ولا تنتهي رحلة كفاحه بتخرج الأبناء ، بل يوفر لهم شقق للزواج
وتأسيس هذه الشقق ، وعمل مشاريع لهم ؛ وبناء سكن له في قريته أو مدينته أويشتري
شقة لإقامته بعد العودة وتجميع الأسرة
فيها - من وجهة نظره ؛ لكن سرعان ما يجد نفسه وحيداً هو وزوجته بعد زواج الأبناء ؛
ولم يجن من هذه الرحلة الطويلة غير الوحدة في نهاية حياته !! ، أما إذا سافر بعد
زواجه وإنجابه ؛ يترك أسرته في مكان إقامته ؛ ويعمل سنوات طوال ليفي بمتطلبات
أسرته ؛ وتوفير مكان لمعيشتهم ؛ ويرسل لهم مبالغ شهرية لتعليمهم والانفاق عليهم ؛ ويلقى
نفس مصير الحالة السابقة من الاستمرار في العمل المتواصل ؛ بل نادراً ما يحصل على
أجازات لزيارة أهله وأسرته ؛ وعندما يعود بعد رحلة الشقاء ، لا يجد غير الجفوة من
الجميع ، فهو بالنسبة لأبنائه وزوجته مجرد فيزا في البنك تحول أموالا شهرياً فقط
!!! ؛ ولا يجد أحد من أبناء جيله ؛ وظروفه الصحية لا تسمح له بما تبقى معه من مال
حتى لو كان يملك الملايين ؛ وتصبح علاقته بزوجته علاقة روتينية بعدما اعتاد كل طرف
على تكييف حياته بعيداً عن الطرف الآخر ؛ حتى العلاقات الزوجية يكون أصابها الفتور
، ويبحث عن أصدقائه القدامى فلايجد أحد منهم ، ومن تبقى منهم لايجد عنده غير بعض
الذكريات القديمة ؛ يكفيها ثلاث مرات مقابلات حتى تنتهي جميع الذكريات القديمة ،
ثم ينسحب كل منهم من هذه العلاقة الطارئة ؛ ولا يلتقي بأقربائه إلا في المناسبات
وخاصة في حالات في العزاء وعند المقابر ، وينقطع الود بينه وبين أهله ؛ لأن
الأجيال التالية لاتعرفه ولايعرفونه ؛ وربما يصبح محل طمع من العائلة ؛ فيودونه
طالما يعطي بسخاء ؛ فإذا ما انقطع عطاؤه ؛ قطعوا ودهم به وتوقفت زيارتهم له ، وحتى
لو بادر هو بزيارتهم ؛ يرسلون له رسائل في أحاديثهم معه بأنهم غير مرحبين بزيارته .
ناهيك عن أنه في فترة عمله بالخارج ربما يتوفى له أبوه أو أمه أو أحد إخوته
وتمنعه ظروف العمل أو مشقة وتكلفة السفر من حضور الدفنة والعزاء ورؤية المتوفى
نظرة الوداع ؟ !! .
وربما المسافر تتوفى زوجته في الغربة أو تطلب الطلاق ؛ وفجأة تنقلب حياته
رأساً على عقب في الغربة ولا يستطيع تدبير حاله ، وخاصة لو كانت الزوجة ليست مقيمة
معه في الخارج ؛ فيواجه مشكلة كبيرة في تربية الأبناء ورعايتهم ، وهو لايعرف عن
أحوالهم أي شئ .
والمسافر في الخارج وأبناؤه في الوطن هنا ؛ محروم من مشاركتهم في أفراحهم
ونجاحهم ومصايفهم ورحلاتهم وعزوماتهم ؛
ومشاعرهم ، وخاصة البنات اللائي تحتجن وجود الأب في حياتهن كسند وصديق صاحب رأي ،
ولا يستمتع المسافرون بأن يروا أبناءهم وهم يكبرون أمام أعينهم ، وأيضا الأبناء
يحتاجون الأب في مرضهم وفي احتفالاتهم ومشاكلهم .
أقول لمن يحسدون المسافرين في الخارج على مجرد أن يروا البيوت أو الفيلل
التي بنوها ، أو السيارات التي تملكوها ، لو تعلمون الحقيقة ، هؤلاء هم من
يحسدونكم على هذه الحياة الدافئة بين ذويكم ، حتى لو كانت الظروف المادية صعبة،
فالحياة مع الناس والعشرة والود والتزاور ؛ والمشاركة والتعاون والبساطة لا تقدر
بثمن .
لن أحكي لكم مشاعر المصريين العاملين بالخارج خاصة في دول الخليج ، عندما
يسمعون أخباراً عن أن الدول التي يعملون فيها ستستغني عن العمالة الأجنبية
والاعتماد على المواطنين في الوظائف الحكومية وخاصة المعلمين والأطباء ؛ أو عندما
يسمعون عن وجود مشاكل بين رؤساء وأمراء وملوك هذه الدول والقيادة المصرية ، وأن
هناك أخباراً عن قطع العلاقات وترحيلهم ؟ !! ، أنا لم أسافر ولم أمر بهذه الظروف
القاسية ، لكنني متابع جيد لمثل هذه الأحداث .
ناهيك عمن تعرضوا لعمليات نصب طارت فيها عرق سنين الغربة ، وهناك من استولت
زوجته على ثروته وطلبت الطلاق وتزوجت بآخر ؛ وهناك الكثير منهم من صدمه عقوق
الأبناء بعد عودته ؛ وعاش بقية حياته كئيباً مقهورا .
دكتور محمد زهران ...