جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

"الطحطاحة"  مدينة وهران

العقيد بن دحو



ابان ثمانينيات القرن الماضي ، و نحن طلبة الجنوب المنتشرة عبر تراب معاهد و جامعات الشمال الجزائري ، بالمدن الساحلية المتوسطية. تلك المدن من سابع مستحيلات أن تدعك تعود من حيث كنت و أرتحلت منها كما جئت اليها أول مرة دون اضافة ، ان لم تقلب مفاهيمك و حياتك رأسا على عقب.

كانت مدينة تعلمك من غير معلم. و انت تدرس ، و أنت تتجول في شوارعها ، و انت تحدث الناس و حتى أن حدثت نفسك تتعلم !.

بالضبط و في مدينة وهران بالغرب الجزائري ، تشعرك من اول خطوة تخطو أحدى شوارعها ، احدى ازقتها تشعرك بأنك في حضرة صُلب  محور ومركز ثقل الحياة دنيا ودينا.

مدينة فعلا كما يقال باللسان المحكي المروي كانت تنحدر نحو البحر لولا يد الولي الصالح سيدي الهواري ، كان أن وضع يده المباركة على أديم ترابها وأوقف انحدار المدينة صوب البحر.

صحيح كان هذا ما يرويه المخيال الجمعي حول مدينتهم ، و من حقه ان يصنع روح جماعية اي أن يبدع أو يصتع ذات اسطورية حول مدينته و ما ظلم.

على واجهة البحر  Corniche .

من أعلى عليٌة Front de mer oran ، ترى بأم عينيك و من مختلف حواسك الأخرى تداعيات تراسلات أخرى..... و كأن المدينة خرجت من ألم معاناة مخاض ولادة زبد البحر ، (أفروديت) جنوب البحر الأبيض المتوسط ؛ وهران الجبل و الجمال.

هناك حيث ترمي عيناك بعيدا نحو الأفق اين تنزل السماء من زرقة عليائها ، من سمو كبرياء شقشقات نوارسها ، من رذاذ رطوبة نسائمها حيث تسامت البحر..من هناك تقبل تلك الامواج الحبلى بعبق رسائل الأندلس التاريخية ، بأغاني اهالي قصر الحمراء ، زرياب و المونسكيين و سائر الفتوحات الإسلامية العربية التي عادت الى  متكئها المكنون.

تلك الموجة الأخيرة التي تأبى الا ان تقفز وراء الحواجز ، تريد ان تتطاول غن سائر تلك الحدود و المتاريس و ذاك الجبل المرجاجو المرتج بالماء و الخضرة و الوجه الحسن.

موجة تأبى الا ان تمد في جيدها تريد أن تُقبل المتفرجين...

اما اذا رميت قليلا ناظريك نحو الأسفل قليلا لرايت "الطحطاحة" Tahtaha لا احد يعلم من أين جاءت اصل التسمية ، فقط أنها كالخبر الجميل ، المكان الجميل ، الزمن الجميل ، و الحدث الجميل جاءت و كفى !

الجميع يعرف ما هي بشرط أللا تساله عما هي !؟

أما ان حاول أن يجيب سوف يعتليه تلكؤ المفردات و يتلعثم العناصر..

حيث الطحطاحة قربى ثقافية و مصلى أدبي فني تعلن عن مقام معبدها المقدس.

 فضاء ليس كسائر الفضاءات الاخرى ، فضاء الألهة و البشر ، يوم حلٌت الالهة بالبشر و حلٌ البشر بالألهة  و اتفقا على الحلولية لحل جميع ما كان عالقا بينهما من صراعات و اشكالات.

 يوم أمسك زيوس سيد النظام و كبير الالهة بتلابيب الأله الاطلس و قُذف به شمال افريقيا و صار مرجاجو يشد السماء  أنفة و كبرياء حتى لا تسقط على الارض.

حين يريد أن يستريح بوزيدون و الاله بروتيه من وعكاء تسيير و تنظيم لجج اعماق و سطوح البحار و بعيدا عن ملوثات وما يعكر أمزجة البحر.

كان الوقت رمضان حيث تعلو منصة بكامل قوامها وقواها ومرتكزاتها الفنية و التقنية و اللوجستيكية ، و تطلق العنان للأصوات الشابة من وسط الجمهور الحبور الحضور.

كانوا الشباب و الشابات من يملك أدنى موهبة غناء أو تنشيط أو ترفيه أن يصعد الصعداء ، و يسعد السعداء ، لتتعالى الهتافات و الزغاريد من كل الجنبات ، و تتحول الطحطاحة الى مقام و قربى عرسا بإمتياز . عرس طيلةشهر رمضان بأكمله.ذاكرة نسيان الساكنة  وعكاء رمضاء ؛ شدة الجوع و العطش ،  تبدل ساعة الرتابة و الكلل و الملل الى اجواء ليلية من الفرح و البهجة و السرور. ليل حقا تشعر فيه  الى اصل معنى الإرتقاء الى ملكوة البهاء . اذ لاغرو أن كان لقب (الباهية) يروق لمدينة بحجم مدينة وهران. الباهية اسم على مسمى.

في ثمانينيات القرن الماضي كانت مقولة شائعة تروج : ان لم تتعلم في مدينة وهران كانك لم تتعلم أبدا.

وان لم تبدع وتشعر و تغني و تمثل على خشبة مسرح وهران كأنك لم تبدع.

"ما قاري ما شباب" !

 وهران حقا كانت ألطحطاحة حلم الشعب البسيط ، حلم الفقراء المنكوبين المعوزين ، يحسبهم الجاهل اغنياء من عزة النفس و حبهم للحياة. أهالي الضواحي و قاطني بيوت الصفيح سيدي الهواري و الدرب ، و من ليس لهم صوتا.

كانت الشباب عكس تفكيرهم اليوم الهجرة الحارقة الى الضفة الأخرى أو الى عالم (هديز) الأخرى ، لا يؤوب منها مهاجر او مسافر.....!

كان حلم الألاف منهم بسيطا...بسيطا...ببسيطا بحق حجم هذه النوارس نشوانة تطير ، بالحُب و الحَبٍ تُغني - الحُبٌ وطن الحلول - ان تغني فوق و على و تحت هذه الارض التي كانت تنحدر. ...

حلمهم أن يكون لهم  صوتا يمتلكونه ،  اعزلا يُسامتهم و يُسامتونه ، يشبههم لا أقل و لا اكثر ، هو منهم وهم منه لا يزايد عليهم و لا يزايدون عليه.

كانت الطحطاحة برنامج الشعب ، برنامج السالمين حين يريد أن يبزغ عن مواهب و ابداعات ابنائه و بناته.

كانت الطحطاحة ألحان و شباب الساكنة دون كاستينج ، و لا مساحيق تجميلية قبلية و لا بعدية ، و لا تلك التصويتات الالكترونية.

كان صوتها الرائز الراجح هو اليوم الذي مدنا بتلك الأغاني التي هزت العالم من طحطاحة اسفل  واجهة البحر.

و لأن الفنون جنون ، و تتداعى و تتراسل مع بقية الفنون و العلوم الزمكانية  لا غرو أذن ان وجدت ابناء مدينة وهران في جميع مدن اصقاع العالم كوادر و أُطُر و كفاءات يسيرون دواليب الحياة بكفاءة و اقتدار ، يغنون بكيفية او بأخرى ، أغنية الإنسانية الأولى ، يوم كان الوجدان و العواطف و الروح و العقل  و الحب يعيشون جنبا الى جنب ، طرفان في قضية واحدة ، بعيدا عن العقد و انفصام الشخصية الفردانية و الجمعية.

لست ادري هل الطحطاحة الانسان لا تزال باقية أم اعتلاها صدأ الاغتراب وهجران الخلان و الاحباب و نكران الجميل و النرجسية المادية و أصبحت مجرد أصداء اطلال تستغيث !.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *