مناقشة المسرحية بعض العرض
العقيد بن دحو
لا أتخيل عرضا مسرحيا ناجحا دون أن يُعرض المناقشة الدرامية الثفافية Le debat théâtral . تلك الجادة الواعية ، التي تبعث على ما يجب أن يكون و ليس كما هو كائن ما يكون.
فمناقشة المسرحية تتمة لها...غير أنها كما دأبت العادة عندنا : لا شيئ يبقى
بعد اسدال الستارة. غير ان العمل الجيد هو ما يبقى بعد ان نخسر كل شيئ او ما يبقى
و ما يجب أن نتعلمه بعد ان نتعلم مل شيئ. فالفن و الادب عموما يدل على الخسارة
أكثر منه يدل على الكسب.
المفروض نهاية العرض و اسدال
الستارة هو بداية العرض ورفع الستارة في فضاء آخر ، عند الحدائق الخلفية للجمهور
او كما سماها برتولد بريخت " الجدار الرابع". حيث تندلع معارك اخرى و
صراعات أخرى و خسائر أخرى و مكاسب أخرى... !
دعنا نقرها صراحة العديد من المخرجين من أولئك الذين نفخوا في اوداجهم
العديد من النقاد العالميين الغرور و التكبر و العنجهية : ووصفوهم
"الدكتاتوريين" ما هم إلا دمى منتكسة ؛ منكفئة تخشى مواجهة اسئلة
الجمهور و الصحافة و النقاد و المهتمين بالدراما بصفة عامة.
كل شيىء يحسبونه "قهوة موح كول وروح "!.
كان من الواجب المقدس بعد العرض المسرحي ،
يُنزع الديكور و سائر الإكسِسْوارات و الملاحق ، و تُنصب طاولة للنقاش ،
يتوسطها المخرج و ممثلا او اثنين ورئيس الجلسة أو من يدير النقاش و مقررا.
بمعنى آخر أن يُعرض العرض المسرحي برمته الى (المحاكمة) على اعتبار الجمهور
القاضي الأول للعرض المسرحي، منذ اتاقلت اليه السلطة القضائية ، و تاقل كرسي
القاضي الى الجمهور.
و حتى يكون العمل الدرامي الفني نزيها مكتملا ، ذو كفاءة و اخلاص ، عادلا ووازنا ، لابد أن
يُحقق احد أقوى و أسمى قواعد السمو و الرفعة و الرقي و الإزدهار و كدا النمو
الحضاري ألا و هي الذائقة الفنية وتحقيق أهم مبادئ العدالة الشعرية.
- الجريمة لا تفيد
- القانون لا يجب ان يكون مناهضا للعدالة الشعرية.
اذ لا يمكن محاكمة و محاسبة و مقاضاة العمل المسرحي المنجز فنيا وتقنيا ،
دون الرسالة النبيلة الأنساتية ، و الحوار المنشود التي جاءت من اجلها المسرحية
بأكملها منذ عهد الإغريق الى اليوم.
ان لم (نقاضِ) المسرحية المعروضة أمامنا ، حول حديقتها الخلفية ، أي
مرجعيتها الثقافية السيكولوجية السوسيولوجية و خلفيتها السياسية الثقافية
الإجتماعية و حتى الإقتصادية ، و إن لم نناقش المخرج حول تصوراته الذهنية
ومرتكزاته الفلسفية فهو مجرد عرض منه و عن طريقه واليه ! لم يصل الى ما كان يصبوا
اليه المفكرين من غايات و اهداف. ما كان يراهن عليه ارسطو الى بريخت من تكفير و
تطهير الى تفكير و تغيير ، الى ما ضحى عليه مختلف قوافل شهداء أجيال المدارس و المذاهب المسرحية في مجرى الزمن و في
مجرى التاريخ ، من الكلاسيكية التقليدية الاخلاقية مذهب القيود الى مذهب الاغراب
الملحمي.
راهنوا وأجدوا و اجتهدوا على تغيير المحيط ، بل على تغيير العالم.
من خلال ممارستي الفنية الأدبية
لاحظت بأن العديد من المخرجين و الممثلين و مسؤولي العرض الفني يهربون من
مناقشة عروضهم الفنية وكأن لسان حالهم
يطلب من الجمهور ان يصفق و كفى ، أن يحضر و كفى سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا و كفى
!!... و حتى ان لم يحضر يكون أحسن لتسجل و تعلق ضد مجهول ثم يطالها التقادم و تفتى
و تندثر !.
حتى أني سألت ذات يوم (عارضا) عن غياب الجمهور الا ما هو يعد على أصابع
اليد الواحدة ، و بعض مما لا يعنيهم في الأمر شيئا ، فقال لي : لا يهم ، انما ما يهم (النخبة) !
أين هذه (النُخبة) !؟ ياصاحبي و الا ما وصلنا الى هذه الأزمة الفنية
الثقافية على جميع الأصعدة و المستويات !؟
المسرحية هي فكرة و حلم و متعة أو فرجة قبل أن تكون مجرد حوار سردي لا رجاء
فيه ، مجرد كلام من اجل كلام ، و حوار من اجل حوار....'!
ثم ما الفكرة التي جاءت من أجلها مسرحياتنا ؟
ما التغيير الذي كان مرجو منه
بالمحيط و المجتمع؟
الاوضاع لا تزال كما هي ، بل أكثر تأزما !
ليس المُخرج وحده من تنازل عن
(ديكتاتوريته) التقليدية المتعاهد عليها ، صار مجرد ظلا حسيرا... خلفية.... ،
هاربا من المساءلة ، من المُحاكمة ، من التقاضي (....) ! هاربا من نفسه أولا بعد ان انهارت امبراطوريته
الفنية. هرب الممثل ، و هرب المؤلف وأغترب بدوره الجمهور.
بالمسرح سواء كان تقليديا او حديثا او حتى انصار ما بعد الحداثة . الجميع ،
ممثلين و مخرج و جمهور (مُتهما) (.....) ؛ خاضع للتقاضي بعد العرض . المُتهم أيضا في عدالة المسرح برئ حتى تثبت
اِدانته !
أن أحسن تقييم و تقويم يُقيٌم من خلاله العرض المسرحي أن يُناقش و يحلل
ويركب العرض ككل على طاولة النقاش ، أما غير ذلك فيكون غير مُعبر عنه و غير موجه
لأي أحد.
نجاح وتتمة و تكملة العرض المسرحي هو مناقشته ، و من حيث النجاح يجر
النجاح.