ظهور دولة تدمُر--" وملكة الشرق زنوبيا
تحالف مملكة تدمر مع الإسكندرية
حامد حبيب _ مصر
بدأت دولة تدمر في الظهور على مسرح الشرق العربي في عام ٢٦٤م، باعتبارها قوة عسكرية وسياسية
مؤثّرة.وفي هذه السنة منح جالنيوس
_بموافقة السناتوأدوناث (أدينة) أمير تدمر وقائد قوات الشرق_ لقب قيصر وأغسطس
وكل ألقاب الشّرف متّخذاً منه
شريكاً له في الإمبراطورية
بعدما حقّقه من انتصارات
بجهوده الذاتية ، إذ استطاع أن يؤلّف بجهوده الذاتية جيشاً من العرب والبدو المحيطين به،ويهزم به
جيشاً فارسياً أغار على سوريا ،
فأصيب سابور القائد الفارسي على يده بهزيمة
مُنكرة.
وإمارة تدمُر كانت تقع في الصحراء التي تفصل بين سوريا ودولة بابل، وكان
محور نشاطها نقل التجارة بين الشرق الأقصى وبابل من ناحية،وسواحل سوريا من ناحية
أخرى،وكثيراً ماتعاونَ تجّار تدمر مع في
التجارة الشرقية،وهناك نقوش تُثبت وجود تجار تدمُر في مدينة "قفط" بصعيد
مصر.
وكانت إمارة تدمُر قد دخلت في سلطان روما
منذ عصر مبكّر أيام
ثيبريوس ، ولكنها عوملت معاملة
ودية،وتمتّعت بنوع من الاسستقلا الداخلي،واستفادت كثيراًمن النشاط التجاري في
الإمبراطورية الذي كانت تتزعّمه الإسكندرية.
ولما مات أدوناثوس خلفه ابنه(وهب اللات) ولكن أمه زنوبيا ، أو الزّباء كما يسميها العرب،سيطرت على ولدها وعلى الدولة
معاً،وأصبحت هي مصدر السلطات.
وأعلنت زنوبيا استقلال مملكة تدمر تحت سلطان ابنها الرسمي وسلطانها
الفعلي،وأطلقت على نفسها لقب ملكة الشرق،ولبست تاجاً،وبسطت نفوذها على كل الولايات
التي تحيط بها ، و تطلّعت إلى مصر مُعلنةً عن نفسها أنها من سلالة الملكة
كليوباترا،وأنها وريثة هذه الملكة.
كانت زنوبيا _كما يصفها المؤرخون _ سمراء هيفاء ذات أسنان لؤلؤية ، وعيون
نجلاء ، وكان صوتها
قوياّ وموسيقياً،وتجيد التكلُّم باليونانية والسريانية والمصرية،وتفهم
اللاتينية،وكانت محبّة للدراسات
الأدبية والعلمية،وكانت في ذات الوقت تحب الرياضة العنيفة ، حيث كانت تصحب زوجها كثيراً في
رحلات صيد الأسود والنمور وغير ذلك من الحيوانات المفترسة، بل إنّ الكثيرين
يعزو نجاح زوجها في معاركه الحربية إلى خططها ومشورتها، وكانت تتمتع بعفاف نادر
على من كان في مثل مركزها.
وقد دعاها قائد مصري يُدعَى تيموجنيس
عام٢٦٩م للتعاون معه لتحرير البلاد من الرومان،فاستجابت
لدعوته وأرسلت له جيشاًمن سبعين
ألف مقاتل تحت قيادة (زايدة)،وقد تم النصر لجيشهما ، ولكن لم
يكد الجيش التدمر ينسحب تاركاً وراء ه حامية قليلة العدد حتي عاد
القائد الروماني للهجوم وهزم الحامية التدمرية،فعاد(زايدة) ليتعاون مع
تيموجنيس القائد المصري، فتفوق تيموجنيس على الجيوش الرومانية،مما جعل القائد
الروماني ينتحر،وظل سلطان روما طوال حكم كلوديوس الثاني لايتجاوز أسوار مدينة
الإسكندرية.
وتحالف بعدها عرب تدمر مع عرب مصر وقبائل البدو(البليمي) باعتتبارهم من أصل
واحد وحكموا صعيد مصر ثم الدلتا وجزءًا من الإسكندرية.
ولما مات كلوديوس بالطاعون ، ولي
العرش الامبراطور أوريليانوس الذي يحمل
في التاريخ الروماني لقب"مُنظّم الدنيا"،وذلك
لأنه استطاع إخماد كل الثوراتورد كل الحملات التي كانت تهدّد روما،وأنشأ سوراً حول
روما يحميها من الغارات
، وتفاهم مع زنوبيا في الشرق،وجعل ابنها
شريكاً له في الحكم وصدرت العملة في الإسكندرية تحمل صورة الإمبراطورَين
(أوريليانوس) على أحد وجهَي العملة و (وهب اللات) على الوجه الآخَر. لكن في عام
٢٧١م، قررت زنوبيا أن تعلن استقلالها
نهائياً عن روما ققرّرت إسقاط اسم الإمبراطور أوريليانوس،وصكّت
العملة في الإسكندرية وهي تحمل صورتَي زنوبيا وابنها وهب اللات،فنشبت الحرب بينها وبين أوريليانوس
،واستطاع بروديوس أن يستولي على الإسكندرية ، بينما بقيت مصر خارج سلطان روما تحت قيادة زعيم مصري يُدعَى (فيرموس) الذي كان يعمل بالتعاون مع القبائل العربية المصرية
وبقايا الجيش التدمري.
وفي عام ٢٧٢م انتصر أوريليانوس على الملكة زنوبيا بعد سلسلة من المعارك ،
ووقعت أسيرةً في يده،
وأعفى مدينة تدمر وسكانها من التدمير،ولكنه لم يكد يتجه نحو روما حتي
عادت تدمر للثورة وقتلت
الحامية الرومانية،فعاد وانتقم
منها شرّ انتقام،فدمّرها عن آخرها وجعلها مجرّد قرى في الصحراء،بعد أن كانت إحدى
عواصم الشرق،ولم يكد أوريليانوس يفرغ من
إخماد ثورة تدمر حتي كان فيرموس الزعيم
المصري قد استطاع إشعال نار الثورة في الإسكندرية ذاتها ، فأسرع أوريليانوس صوب
مصر بجيوشه،
وضيّق الخناق على الثوّار في الإسكندرية، وحاصرهم في حيّ
ا"البروخيون" ثم دمّر الحيّ بأكمله ح،والذي كان يضم أهم مباني المدينة.
وعاد أوريليانوس إلى روما في موكب نصر لم تشهده روما منذ بعيد، ومعه زنوبيا
أسيرة مقيّدة بالسلاسل الذهبية، وتجرّعت زنوبيا نفس المصير الذي تجرّعته كليوباترا
من قبل وآثَرَت الانتحار.