أمي و مكسيم غوركي
العقيد بن دحو
* - الحق يمنعونه
الحق لا يعطونه
وحدهم الاغنياء الذين يعملون...يعملون....يعملون !.
(ماكسيم غوركي) - البرجوازيبن الصغار - (1868 - 1936).
لست ادري كلما تذكرت أمي المرحومة ، الا و تذكرت ذاكرتها القوية ، التي
كانت تحفظ الشاردة و الواردة على ظهر قلب و حينا ، عن قبيلتها و عن قبائل اخرى
النثري منه و الشعري المغناة ، و العديد من الحكم و الامثال و الاقوال الشعبية
المحكية.
لم تكن امي تكتفي بسرد هذه الاثار سردا بلا روح و لا مشاعر ، انما كانت
ترويها كانها تعيش لحظتها التاريخية من
ذاكرة الراهن او من ذاكرة المستقبل . تبدو كانها هي التي ابدعتها و خلقتها و شكلت
لها تلك الاضافة او تلك التغذية التي تبنى بالتراكم . جعلها تنتقل من حياة مما مضى الى حياة الراهن.
بل كانت في حد ذاتها شاعرة شعبية لا يشق لها غبار ، و حكيمة و سديدة اقوال
اتراب لا تسقط لها ابنة شفة تراب.
لذا لا غرو ان اقترحت على والدها السلطات الفرنسية الاستدمارية ابنته امارة
وادي الساورة.
لكن ببعد نظرها و ذكائها الحاد ،
ادركت مبكرا بان هذا الاستعمار لا حكم له ليحكم الناس على بلدهم....!
كانت عائشة البوخنية الرزوقية الغنامية مناضلة قوية منذ نعومة اظافرها
تناصر الثوار امينة سر المجاهدين حتى بعد الاستقلال . اين اختارت الجزائر حكومة و
شعبا النهج الاشتراكي في تسيير نهج دواليب الدولة الجزائرية الفتية حينذاك.
كانت امي اشتراكية حتى النخاع ، اكثر من الاشتراكيبن انفسهم. ظلت على العهد
ثورية ؛ تؤمن بمبادئ الثورة في جميع القيم التي كانت تراها الدولة احد مبادئ و محاور
ومركز ثقل تنمية الدولة الاجتماعية.
الثورة الفلاحية ، الثورة الصناعية ، الثورة الاقتصادية ، و الثورة
الاجتماعية.
كم كانت أمي تشبه أم الكاتب الاستراكي مكسيم غوركي ، الذي اتخذ من نصه
الادبي الدرامي (الام) .
في عام 1906 حين كتب قصته الخالدة "الام". و هي تحاكي القصة
القاسية في هذه الحياة ، بين الحياة و بؤسها كانت الكتابة و الام ، اللغة و الام
طرفان في قضية واحدة.
قضى مكسيم غوركي عمره جاهدا ليشق سبيلا وسط صخور من الوعرات و الصعاب
الشاقة ، كيما يجد طربقا للانسان ، عبورا للانسانية ، و لانسنة الانسان بسلام و امن ، اكثر عدلا و حرية و مساواة !.
لقد اوجد غوركي نظرية جديدة تلخص في ان الصراع دائما يشتد ويقوى كلما زادت
المعاملات و العلاقات ، فهذا يخلق شخصيات
متعددة المذاهب و المدارس ، متعددة المشارب و الاشكالات المتحالفة مندمجة بعضها
فالبعض ، و كل شخصية جديدة تبحث لها مكان تحت الشمس و عن مصدر اقتصادي لتعيش منه ،
و الحياة عادة تكون كالام الرؤوم ، أو كزوجة الاب.
ولما كانت الحياة تمر بهذا صراع اجتماعي سياسي ، و فني ادبي ، كان على
الكاتب ان يجد متكأ يتكئ عليه ؛ محوره و
مركز ثقله ، مدخلاته ، متفاعلاته ، مخرجاته ، تغذيته الراجعة ، الانسان و عن طريق
الانسان و الى الانسان.
غير ان ببدو في عصر فقد صوابه و اثقله منطقه لم يعد الرهان قائما على
الانسان.
عندما صار النجاح يكمن في الانتاج و صناعة الالة.
وامتاز الانسان بما تمتاز بع البضائع كتلة و مساحة و حجما و لونا.
غير ان علمتنا جل الحضارات الانسانية قائمة على الانسان بشكل رمزي.
الام " كلوتيمنسترا" عند الكترا او ثلاثية اسخيلوس او كما هي عند
صوفوكليس. او الام عند اونتجون "اوريديس" أم هيمون ؛ كما نجد صورة الام
اكثر تجليا ، بل تثير فينا وعيا متجليا سيكولوجيا و باللا وعي ايضا . الام عند
اوديب ملكا "بوكاستيه".
حين علمت ان زوجها ابنها ، و في نفس الوقت اخا و ابا لابنائه الاربع :
اونتحونا - اسمينا - اثيوكليس - بولينيس.
كما نجد رمزية الام سياسيا اقتصاديا اجتماعيا و ادبيا فنيا اكثر و اشد
وضوحا في " الوطنية الخالدة"
للكاتب الفرنسي (فرانسوا كوبيه) ، و التي اقتبسها الكاتب العربي الاديب
مصطفى لطفي المنفلوطي تحت اسم : "في سبيل التاج" بطلتها الام "
بازليد" امام اب خائن يسمى " برانكومير" ، و ابن شاب غيور على وطنه
يسمى " قسطنطين".
اذن ما الام عند مكسيم غوركي الا امتدادا لباقي الامهات عند مختلف الاجناس
الادبية و الفنية ، و عند مختلف اجيال الكتاب الادباء على مر و عصور و التاربخ قبل
التدوين و بعد التدوبن ، و منذ رسالة (صمويل جونسون) الى (اللورد تشيسترفيلد)
الشهيرة سنة 1758 يوم اعتبرت الرسالة كأول اعلان عل ظهور الادب و الاديب معا.
صحيح الادب قديم قدم التاربخ ، منذ ان صار الانسان مبدعا شاعرا Homo Poeticus ، غير انه كان لزوما على الدارسين و الباحثين ان يحددوا زمنا
معينا قصد الدراسة فهرس الاحصاء الشامل ، السوسيولوجي في علم الاجتماع الادبي.
لا تزال للام قيمتهاو مكانتها الاجتماعية اللغوية و الدينية و كذا الادبية
، اذ مع االايام و اقدم خضارة الامم و الشعوب امتازت الام في الادب بما امتازت به
من رفعة و مكانة بالمجتمع.
الام ، زوجت الاب ، ام الابناء ، اخت الاخوة من بنات و بنبن ، الجدة ،
المرادف للحياة و للانسانية جمعاء.
اذ ؛ يقول (طاغور) الشاعر الداغستاني : "حين اراد الله تم يخلق حواء
من ادم ، لم يخلقها من عظام راسه حتى لا تفوقه ، و لم يخلقها من عظام قدميه حتى لا
يدوسها ، انما خلقها من احد عظام اضلاعه لتكون قريبة الى قلبه او مساوية له
تماما".
الام مدرسة اذا اعددتها *** اعددت سعبا طيب الاعراق.
من احسن الناس بصحبتي ؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلمك
امك...أمك...امك ثم ابوك.
الام مؤسسة اجتماعية ، مشروعا ناجحا ان كانتوجل المدخلات السيلسية
الاجتماعية الثقافية الاقتصادية تصب في متخلل واحد.