عيسى الجميل
قصيدة ُالنثرِ
:
حمارٌ قصيرٌ
أم حصانٌ شَموسٌ :
1- تثيرُ هذه
التسميةِ " قصيدة النثر " حساسيةً
سلبيةً لدى المتلقي العربيِّ ، و يرفضُ عددٌ من الشعراءِ و النقادِ
الاعترافَ بها في عائلةِ الشعرِ ، و ذلك لترسخِ فكرةِ الوزنِ كمصاحبٍ دلاليٍّ
لمصطلحِ الشعرِ...
2- الإشكالُ
- أعتقدُ - أنه يكمنُ في الذهنيةِ العربيةِ التي سيطرَ عليها و عبر تراكم تاريخيٍّ
طويلٍ الطابعُ الشكليُّ ، فمقاييسُ الشكلِ أولاً ، لذا كان الفارقُ بين النثرِ و
الشعرِ في المخيالِ الأدبيِّ العربيِّ هو الوزن..
3 - إنّ
مقياسَ الوزنِ مقياسٌ خارجيٌّ لا يفصلُ في القضايا الجوهريةِ في الشعرِ ،
فالشعريةُ أعمقُ بكثيرٍ من هذا المقياسِ ،لذا نجد أرسطو لا يدخلُ الكلامَ الموزونَ
الخالي من المحاكاةِ في الشعر ِ ، لأنّ
المحاكاة عنده هي جوهرُ الشعريةِ..
4 - الفارقُ
الجوهريُّ ( لا الشكلي) بين النثر و الشعر
هو كيفيةُ استخدامِ اللغةِ ، فالاستخدامُ الشعريُّ للغةِ يكون في :
- الانزياحِ
عن اللغةِ النثريةِ العاديةِ ، و هذا الانزياح يحدثُ فجوةً بين توقعاتِ المتلقي و
مقولات النصِّ ،و كلما كانت الفجوة أكبرَ كانت الشعرية أعلى
- التكثيف :
حيثُ نضغطُ المعاني العريضةَ في ثوبٍ صوتيٍّ ضيقٍ جداً ، الشعر هو " عطرٌ
لغويٌّ مركّزٌ " = ( أصنص لغويّ )
- الإفادةُ
من طاقةِ الثقافةِ كتوظيفِ الأساطير و الحكايات و الرموز ، و كذلك منجزات العلم و
الفلسفة بعد تذويبها في اللغة الشعرية
- التركيز
على التجربة الذاتية العميقة لأنها أساسُ الصدقِ الانفعاليِّ ،و كلما كان انفعالُ
الأديبِ صادقاً أصابَ المتلقيَ بالعدوى الشعوريةِ
- الإيقاعُ
الداخليُّ : من خلال تقنياتِ التوازي و
التكرارِ بين الظواهرِ الصوتية و الدلالية
داخلَ البنيةِ الشعرية لأنّ الشعرَ في جوهره قائمٌ على شبكة العلاقاتِ بين مكونات
النصِّ و كيفيةِ تركيبها ...
5- إذاً
يصبحُ لدينا ثلاثةُ أنواعٍ من القصائدِ
- قصيدةُ النظمِ:
كلامٌ موزونٌ يخلو من مقوماتِ الشعرية ، و قد استبعدها فلاسفة و نقاد كبار من
عائلة الشعر
- قصيدة
الشعر : كلامٌ موزونٌ يقومُ على أسسِ الشعرية الجوهريةِ
- قصيدة
النثر : كلامٌ غيرُ موزونٍ لكنه قائمٌ على أسس الشعريةِ الجوهريةِ
و هي برأيي
أحقُّ بالدخولِ في عائلةِ الشعرِ من قصائدِ النظمِ ، و في استبعادها من الشعرِ تضييقٌ و مجانبةٌ
للأولى ، فاستبعادُها يعني استبعادَ بودلير من قائمةِ الشعراء العالميين
و استبعادَ
أدونيس و انسي الحاج و سعدي يوسف و محمد الماغوط و مظفر النواب و... من قائمة
الشعراء العرب
6 - لا يعني
ذلك أنَّ قصيدةَ النثرِ حمارٌ قصيرٌ
يمتطيه من هبَّ و دبَّ ، بل هي
حصانٌ شَموسٌ لا يجيدُ امتطاءه و ترويضه إلا فرسانُ اللغةِ الأفذا