جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءالعقيد بن دحوفنونمسرح

يوم وقفت على خشبة مسرح وهران منفردا

 

يوم وقفت على خشبة مسرح وهران منفردا

العقيد بن دحو



- هيمون : ليس هذا ما يقوله اهل ثيبة!

- كريون : ا لاهل ثيبة الحق فيما يملونه علي من اوامر ؟

- هيمون : لا تنس بانك بعرشك هذا حديث العهد.

- كريون : فمن ذا الذي يحكم غيري في هذه المدينة ؟

- هيمون : ان الدولة لم تخلق لرجل واحد.

- كريون : اليست الدولة لمن يحكم ؟

- هيمون : هذا حسن ، لكن على من تحكم اذا كان البلد فارغا ؟

- كريون: انساها يا ولدي لقد ماتت ، هناك ارض اخرى يمكن ان تحرث.

- هيمون : ان ماتت سيلحق موتها رجلا اخر !

- كريون : اتهددني !؟ لا اراك الا مدافعا عن شهواتك ، عن امراة !

- هيمون : ساتركك نهبا لاصدقائك الذين يتملقونك !

كان هذا الحوار الدرامي ، الذي اسنده الي استاذ الدراما بمعهد تكوين الاساتذة بمدينة وهران الباهية الجميلة منتصف ثماتينيات القرن الماضي ، الاستاذ نادر حسام الدين من جمهورية مصر العربية. كان استاذا ابيض للبشرة ، يمتاز بعينان زرقوان ، حاد النظر ، و لحية بيضاء. كانت حركاته ، جلساته ، حديثه كلها فن في فن في فن.

كانت تجمعني مع الاستاذ الجميل هذا علاقات خاصة ، يسميني (سمارة) . رغم ان اسمي الشخصي "العقيد" نادر و سريع التداول بين طلبة و ادارة المعهد.

لست ادري كيف اختارني لدور بطولي في مسرحية اونتجون للشاعر الدرامي الاغريقي صوفوكل رغم سمرتي التي اصبحت تميزني في كل مكان من امكنة مدينة وهران.

حقا كنا اشقياء تعساء ، مجانين يافعين لا يقاس علينا. غير اننا كنا في نفس الوقت جادين واعين لما ينتظره اهالينا و اساتذتنا و ادارتنا .

كنا نجلب النجاح الفني و الثقافي في اي مسابقة يدخلها المعهد.

اسند الينا ذاك الاستاذ الادوار ، ووزعها علينا بنينا و بناتا ، ابطالا و ممثلين عاديين و كورس او جوقة ورئيس الجوقة.

تدربنا اياما و شهورا ، و عندما ادركت المسرحية  التدريبات النهائية  ، كان المسرح العريق لمدينة وهران عرينا لها.

كنا نقبل عن التدريبات شغوفين محبين ، ننتظر العرض النهائي بفارغ الصبر ، خاصة التلفزيون الجزائري الجهوي بمدينة وهران وعدت بتسجيل المسرحية.

وكم كنت ساعتها اتخيل امي واخوتي جالسين امام الشاشة ، و انا الفارس البطل املي عليهم اخبار ماسي تراجيدية ابناء اليونان و هيمون خاصة.

كان يتخيل الي لا يهم الحوار ان لم تفهمه امي ان لم تفهمه اخوتي واخوتي البنات ، و هيمون يبكي حبه الضائع ، امام والد حاكم ظالم مستبد . شاب اسمر مثلي قادم من اقصى الاقاصي عليه كثير من الالتزامات ، الكثير من الضغوطات. فرصة ان يكون في المستوى او لا يكون ، يبكي زميلته الطالبة كميلة.

ساعتها لم  نكن نفرق بين ماهو واقع و ما هو تمثيلي او محاكاة ، لم نكن نفرق بين اونتجون و كميلة ، لم نكن نفرق بين هيمون و (سمارة) ، لم نكن نفرق بين كريون و بوفلجة و هلم جرا....

خشيتي كلها ان تخونني عاطفتي واندماجي في الدور وترى امي دموغي ، و اصبح فجاة محل ضحك و سخرية امام اخوتي البنات. بل امام امي الشخصية القوية ، المهابة الجانب ، ملكة البيت. كم تخيلتها وقتئذ و هي تلومني ، توبخني : بعثناك تدرس و تتعلم و اذ بي ارى

 دموعك على المباشر  من اجل حب امراة اخرى من بر  اخر....!

ساعتها من يقنع امي بان الحالة لا تتعدى كونها مجرد تمثيلا ليس الا.

بقدر ما كنت سعيدا بهذا الدور المسند الي بقدر ما كنت احسب له الف حساب ، يوم اعود مثقلا بنوستالجيتي التي صارت تربطني بالمدينة و الساحل اكثر فاكثر..... يوم اعود الى الصحراء ؛ بل الى صحراء ذاتي متهما من غير اتهام امام امي لا ترد احكامها ولا تبطل قضاياها بالتقادم و امام مجتمع محافظ !

وفي يوم ما قبل العرض الاخير ، و صلت المسرح مبكرا حسبت نفسي الوحيد المواظب على التوقيت المضبوط او كما احسبه. تعرف علي الحارس ، فتح  الباب ، رافقني.... واصل  السير معي الى غاية بهو الخشبة ، مرورا على الكواليس ، فتح  الستارة ، اعتليت الركح ، اطفا الاضواء ، اكتفى بانارة خفيفة ثم ادار قفل الجهاز الفونوميتيكي ، انبعثت منها موسيقى هادئة بما يلائم دوري.

صرت اردد الحوار اعلاه مرارا و تكرارا ، اين ازيد من حدة الصوت ، و تارة اخرى اخفضه كلما جابهت والدي كريون.... و هكذا مرارا و تكرارا ، اتخيل الجمهور الحاضر ، اتخيل ساكنة بلدتي باعماق الصحراء ، اتخيل السيد الملك امي ، اتخيل اخوتي البنات... و ماكدت اجثم على ركبتي حتى سمعت تصفيقة  قوية هي واحدة تتكرر عند اخر كرسي من كراسي قاعة العرض ، رجلا كالظل الحسير ، شبح من اشباح قصص وليام تشكسبير ، واقفا وهو يصيح : برافو سمارة....برافو ....برافو سمارة !.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *