من يقاضي القاضي ان اذنب القاضي
العقيد بن دحو
* -
"...لم يكن هناك انسان ليعاقبني...فكان علي ان اعاقب نفسي بنفسي" /
(الحداد يليق بالكترا) - "لافينيا مانون".
كل اثر (...)
جميل يمر عليك في مجرى الزمن ، و تعجب به ، يستولي عليك بالاسر و السحر ؛ حتما
سيحقق في وجدانك ، داخل اعماق اعماقك الانساني ؛ بل يكون اجمل و افضل ان حقق انطباعا ما وموقفا ما وجدانيا داخل نفسيتك
وجعلك تتخذ قرار ، او ببعث بك الى التفكير و التغيير ، اي حقق مبدا قيميا فردانيا
او جمعيا ؛ يسمى هذا "العدالة الشعرية".
سواء كان هذا
(الاثر) مكتوبا : شعرا ، قصة ، رواية ، مقالة او رسالة....
او هي منحوثة
او نقشا يحقق وحدتي النسبة و التناسب. او هي لوحة فنية تثبت مصيرا ما او غيرها من
الفنون الزمكانية.
من حيث
القاعدة الاساسية التي تبنى عليها العدالة فصل بين السلطات ، و ان الجريمة لا
تفيد.
كما ان
لابنبغي ان يكون القانون مناهضا للعدالة.
نعم هذا
القضاء و الاقتضاء بشكل عام بان وراء كل جريمة عقاب ، و ان المتهم برئ حتى تثبت
براءته داخل النص الشعري و خارجه.
لكن القاضي
ايضا بشر و ليس ملاكا ، الخطا اصيل بالذات البشرية؛ يمكن التقليل منه ؛ لكن لا
يمكن القضاء عليه.
تبدو النصوص
الحالية و المواضيع الراهنة لا تحقق مبدا " العدالة الشعرية" الا ما نذر
منها. لا سيما منذ ظهور "الانطباعية" كفكرة او كمذهب فرداني ، اين تحلل
الكائن البشري الى بقعة ضوئية ولون ، و صارت " الشيئية" تتحكم في صاحب
(الشيئ) ، من حيث كل شيئ لا شيئ !
غابت العدالة
الشعرية و صار كل شيئ تجريديا على مقاس انسان مجرد ، التجريد من اي قيمة انسانية
لها قيمة..فالى من يتوجه الناس طلبا للعدالة ؟
طلبا للحقوق
و المساواة
طلبا للحرية
(لاحرية لاعداء الحرية)؟
الحق لا
يعطونه
الحق يمنعونه
وحدهم
الاغنياء الذين يعملون (كافكا).
غير ان
بالادب الكلاسيكي ، التمثيلي اليوناني تتضح العدالة بكل تجلياتها.
و لا سيما
عندما ساد حكم (زيوس) و اصبحت ديانته ديانة بشرية ، اين امتازت الالهة بما امتاز
به البشر . اين حل البشر في البشر و ملئت الالوهية بالبشر فكرة (الحلولية) هذه
كانت نعمة على الادب و الفن حتى قال (فرانسوا كروازيبه) : " ان في خيال اليون
فكرا و في شعوره روحا و في شهواته روية ، فانتج ادبا انسانيا ، تسعر فيه بقوة و
بامعان في حياتنا ، تفهما ونغما جميلا محببا الى القلوب له وقعه وقعا مباشرا.
اين لم يعد
البطل او نصف الاله او الاله بالمرة منزها و يمتاز بالحصانة السياسية او فؤق
المساءلة بكل انواعها.
لقد كفت
الالهة بالعلية السماوية السادية القضاء و القدر. و امتازت بصفات و خصائص بشرية.
بل تجد
القاضي ينصب خيمة عدالته و يحاكم نفسه بنفسه.
تقول
(الكترا) سواء عند لسخيلوس او عند صوفوكليس اذ تقول في نهاية الماساة : لقد تمت
مهمتي ، و لقد ردني الزمان الى الحكمة الى الحكمة فانحزت الى جانب الاقوياء.
بينما نجدها
تتحق في نهاية ماساة (اياس) : عندما تعيداليه الالهة وعيه و عقله و يرى بام عينيه
ما اقترفت يداه و سيفه البتار في اعناق ماكان في حظائر اليونان من ماشية و ثيرة ،
فماكان عليه الا ان يوجهه هذا السيف نفسه الى صدره مودعا اهله و ذويه .
غير ان
القضاء يتجلى اكثر في قصة (اوديب ملكا) الدرامية التراجيدية الكونية ، حين يحاكم
تفسه بنفسه و يفقا (يفقع) عيناه. حسب قوله موجها اياه الى الكاهن الاعظم الاعمى
(تريسياس) : " يا تريسياس كنت تحسدني على ضوئي فاردت ان تجرني الى ظلمتك ،
منذ اليوم لن تستطيع ان تستطيل علي بما يمنحك العمى من تفوق !.
اذن عندما
يحاكم القاضي تفسه بنفسه ، يبكون قاصيا على نفسه ، و بالغالب ما تنهي ابطال
التراجيدبات او ابطال الماسي الاغريقية باقصى انواع العقوبات ، الانتحار الاليم.
اما الموت
بعيدا عن النور ، في عرفة بلا ابواب و لا نوافذ او بالموت بحد السيف او الموت اعمى
حسيرا و التيه في ارجاء البلد.
يحاكم القاضي
نفسه على نفسه من اجل تحقيق اهم مبدا ارسطو التطهير او التكفير ، لكن الاهم عندما
تتحقق العدالة الشعرية في لوحة فنية لتعلن عن نفسها من الجواهر الحسان في اعلى
متكا لها.
بل من اجل
تحقيق قربى ثقافية ما او مصلى ادبي ، حيث يصير الشعر و اللغة ، و كذا الدين اطراف
ثلاث رؤوس في قضية واحدة.
الضمير
البشري قائم و كائن منذ الازل سمته
البشرية شرزي الاعماق ، هو من يوجه المجرم من تلقاء تفسه الى العدالة يطلب محاكمتة
؛ يرضي حاجات دفينة باعماق نفسه.
اما قتل ضمير
هو قتل العدالة الشعرية مما تنعدم الذائقة الفنية ، تنعدم الانسانية و تسود
الليبرالية المتوحشة او الادب و الفنون و الثقافة بلا مساعر.
و صدق الشاعر
(رامبو) حين قال : سبب تفوقي على الاخرين لاني بدون قلب"
ولكم ان
تتخيلوا.....!