ما معنى الثقافة المسرحية
العقيد بن دحو
قد تدعوك هذه الجهة او تلك ، هذا الصديق او ذاك ، كيما تشاهد مسرحية من
المسرحيات او تبدي رايك في فكرة من الافكار ، مشهد من مشاهد المحاكاة ، و هذا على
مستوى ربوع الوطن. و على كافة المسارح تلك التي تقع جغرافيتها على الساحل او تلك
المستحدثة الجهوية منها. حتى تلمس بام عيناك ، وحتى تكون الشاهد الوحيد على مدى
فراغ الثقافة المسرحية من لدن الجميع.
و اذا كنا نعلم علم اليقين لابد من ثقافة الممثل ، و لا بد من ثقافة المخرج
، و لا بد من ثقافة السيناريست او المؤلف ، فان ثقافة جمهور المسرحية تطرح تلك
الاشاكاتت و التاويلات الجمة. ناهيك عن تفريغ كراسي قاعات العرض المسرحي ، تزيدها
اللامبالات. و اللاهتمام بما يعرض ، و يزيد الوضع المعقد اصلا تعقيدا.
فالسلوك العام الذي ينتهجه الجمهور ازاء العرض (...) ، يشير الى اننا
لازلنا بعيدون كل البعد عن الثقافة المسرحية كسلوك عام يدرك انه يدرك ما يفعل.
لا زلت لم افهم ، كيف لذاك المصلي ليوم الجمعة بالمسجد على سبيل المثال ،
او لزيارة او وعدة من زيارات ولي من اولياء الصالحين ، يستعد لها بالايام و الشهور
ان لم نقل بالسنوات. طهارة البدن و نظافة الثوب ، و استعدادات اخرى مادية و مالية
روحية نفسية . بينما على طرف نقيض ، نجد العكس اذا ما تعلق الامر بحضور او استجابة
دعوة فنية مسرحية ما. نتفاجا بحضور هؤلاء المدعويبن شعثا غبرا و كان الطير على
رؤوسهم ، و كانهم من حيث لا يدرون انهم جاءوا (....)! بعضهم حضر يرتدي بذلة رياضية ، بعضهم اي لباس
اخر غير متناسق لا لونا و لا شكلا ، بل بلغ بالبعض ينتعل نعالا (صندل) او احذية رياضية ، بل بلغ بالبغض ان يقبل بلباس
النوم (منامات) او عباءات او لقمصة اسيوية من حنسيات اخرى !.
قد يقول البعض هذه مجرد شكليات ، قشور ، انما الهدف المستهدف من العملية
هذه كلها (الحضور). حضور جمهور واع يدرك ما يعرض امامه تكفيرا او تطهيرا ، تفكيرا
او تغييرا. مخرجات هذه المسرحية او تلك و ليست المظاهر الشكلية التي يلبسها
الجمهور.
قد يبدو الامر كذلك بسيطا كل البسط ، لكن بالمقابل عند اقوام اخرى اكثر
حضارة و اكثر رقيا و اكثر ازدهارا يختلف ،
فالجزئيات تصير كليات ، و القشور تصير لبابا ، و الشكليات تصير اهتمامات مهمة.
الثقافة المسرحية جوهر لا تتجزا ت
، كل متكامل.
هناك ....، يدرون جيدا بان خشبة المسرح قامت على مقام (ابولو) اله الشعر و
الخلق و الابداع ، يدرون لولا اعياد و
هداية (ديونيسيوس) اله الفنون و المسرح ما كانت تقوم هذه العروض و هذه الاغياد و
الافراح التي نشهدها اليوم.
لهذا استعدوا له احسن الاستعداد ، لبسوا لها اجمل اللباس ، و تطيبوا باحسن
الطيب ، و حضروا بكامل لياقتهم البدنية و كافة استعداداتهم التفسية و الذهنية
ازواجا ازواجا و اسرا اسرا و عائلات عائلات......
بالمملكة المتحدة البريطانية يمنع
منعا باتا حضور المسارح و مشاهدة العروض المسرحية الا اذا كان الزوج يرتدي بذلة و
ربطة عنق و حذاء كلاسيكي ، و كانه في حضرة عرس او في لقاء دبلوماسي.
لا اتخيل حضور عرض مسرحي او فني بهذه الفوضى التي يقبل عليها الجمهور ، اي
شيئ و السلام ، مادام الامر فيه تهريج و ضجيج و عجيج على حسب تعبير د. طه حسين.
للمكان قدسيته ، هيبته ، وقاره ، نسكه . صحيح هو قربى ثقافية فنية لكنه
سرعان ما يصير مصلى ادبي او فني كونه قام على مقام الهة او انصاف الهة او ابطال
مما اشرنا اليه سابقا.
قد نتساءل و بعيدا عن الغلو و المزايدات لماذا رجل الدين يستقبل (الجمعة)
وهو بكامل قواه وقوامه البدنية و الايمانية ، جميلا لا يصدر منه الا طيبا يسامت
الملائكة. يلج المسجد و قد ادى تحية
المسجد ركعتين و سجدتين ، و يستمع للخطبتين و بعدها يتم الصلاة ، ما دامت الصلاة
هي الصلاة ، الصلة و التقرب بين العبد وربه.
جميع الفنون في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى الصلاة (رجاء
غارودي)
او كل شعر جيد ذو نشاة دينية (ارسطو)
الشعر سحر صوفي مقترن بالصلاة (سوزا).
انا لا اصلي كما تصلي المخلوقات انا اصلي على بيانوا (جلدن شتاين).
في علم السياسة اللغة و الدين طرفان في قضية واحدة. و لهذه الاسباب تدارك
هذا الفارق متقدما ، و تالق و نجح بالقرب من مسجده ، بينما تاخر رجل المسرح و اصبح
من كمالياته ترفيها. كالفلكلور في زمن
الاستعباد الكولونيالي يوفر الترف و الرفاه للسيد فجسب !.
و بالتالي لازلنا لم نرق للتضحيات القوافل من شهداء المسرح و الفنون ، ليصل
الينا في كامل انفته وكبريائه و شموخه ، وعزته ، و انتصاراته ، و نجاحاته. و بعضنا بهذه الرداءة و سوء الفهم و الادراك
يستقبل و يشاهد العروض ، ويخرج و كانه لم بدخل قط في حياته و لا راى بان هناك صلاة
اخرى تقام على مقام قامات ابدعت و خلقت خلقات تواصل بين الاله و البشر ، من حيث
صوت البشر من صوت الاله.
لابد من ثقافة اخرى ، من تغيير سلوكيات الجمهور في الشكل الذي طبعا عاجلا
ام اجلا سينعكس على المضمون.
ما الذي يضير لو ان الجميع عقد
العزم ان يلبس احسن اللباس وربطة عنق و قضى سهرته في حضرة المسرح مع مسرحية من
المسرحيات ، رفقة اهله و ذويه ليرى عالما اخر دينيا ودنيويا.
انزلوا الناس منازلهم ، كما انزلوا المسرح مكانته ، منذ عهد الحضارة
الاغريقية الى هذه الحضارة الرقمية الذي اثقله منطقه !.