سيدي هدارة" مسرد من سرديات من الصحراء
العقيد بن دحو
اعتقد كما يعتقد اي باحث عن سردية نموذجية تؤرخ لادب الصحراء ؛ و لا سيما
جنس الرواية في عصرنا هذا، عصر القرن 21 ، لن يجد عملا مكتملا ، رغم صحراوية
الصحراء ، و رغم حجم فراغ اغلبية الحيز الجغرافي من الساكنة، و رغم النزوح الريفي ، و التلوث
الايكولوجي ، الا ان يمكن ان نطلق على السردية التي تداولتها السن الساكنة الى وقت
غير بعيد قريب ، الحكاية الشعبية ، اين
امتزج فيها الحلم بالعلم ، و الخيال بالواقع
تتغذى بالتراكم و الاضافات المحلية الى ان صارت رواية عالمية.
يعود الفضل الى الكاتبة الصحفية السويدية (مونيكا زاك) Monica Zak, التي اقتفت اثر الولي
الصالح "سيدي هدارة" . تجشمت و عكاء السفر و مسحت الالاف من الكيلومترات
برا و بحرا وجوا لتتبع حياة الولي الصالح سيدي هدارة ، صحراء داخل صحراء ، حسب
نظرية العوالم المتداخلة ، الدوائر الخربة لبورجس.
يلتمس فيها المرء المنشغل بادبيات الصحراء ، ان الاديبة الصحفية تنقلت عبر
متاهات " كريتية" ، "ديدالوسية"، "هيديزية"،
"مونيتورية"، مرارا و تكرار من حمادة الى حمادة ، من بيداء الى بيداء ،
و من فراغ الى فراغ و من سراب الى سراب . من اقصى الجنوب الغربي الى اقصاه ، من
حمادة تندوف الى حمادة ادرار. بل من زاوية الى زاوية ، من زاوية سيدي بلعمش تندوف
حاضرة الموقار الى زاوية سيدي الشيخ محمد
بلكبير حاضرة قورارة ، توات تديكلت ، تنزروفت.
امراة شجاعة Une femme
courage ، تشق كل
هذه النسلفات منفردة زادها و درعها العلم و السعي الى تحقيق هدفها النبيل الانساني
العميق و لو بالصين.
تركت الحضر و الغرب و البحر و
الجبل السويد ، من اجل حلم اسطورة عنصرها
قادها الى الحلم الجمعي العالمي.
حيث اقتفت اثره حجرة حجرة ، و شجرة شجرة ، ودار دار ، وزاوية زاوية.
استطاعت ان تصل الى احفاده بمنطقة تندوف ، ووصلت الى غاية توات ؛ زاوية سيدي الشبخ محمد بلكبير . اشاروا لها بصديقه و حبيبه المرحوم سيدي الطالب
سالم ، من كان يعرف عنه الشاردة والواردة لفظا و لحظا و اشارة ، شفهيا و مكتوبا.
استطاعت الكاتبة الصحفية السويدية مونيكا زاك ان تلم انقاضها و تكتب شتات
الرجل ، في حبكة درامية سردية قل نظيرها ،
لتعود الى بلدها السويد بكل الصيد في جوف مخطوط لا يقدر بثمن. كنز في شكل معالجة بيداغوجية ، تحت عنوان "
الولد الذي تربى مع النعام".
عصفورين بحجر واحد : رواية من الصحراء تجمع بين الخيال و العلم ، كدليل
للمعلم. و بهذا تكون قد اعطت تاويلا و اشكالا اخر للكتاب او للمصنف الادبي غايته :
ان يعلم و ان يمتع وان يهز. تكون من خلاله قد انقذت منظومتها التربوية من ستاتيكية و رتابة السردية
التعلمية التعليمية.
"الولد الذي تربى مع النعام" ، و اطفال السويد يتدربون و يتعلمون
على سيرة الولي الصالح سيدي هدارة الذاتية. ابجديات التحليل و التفكيك و التركيب ،
التجريب ، الملاحظة ، و النتيجة و دراسة الوسط . ومنح معنى جديد للصورة و الكلمة و
المعلومة.
في حين اطفال مدارس الجزائر لا يعرفون معالمهم الحضارية و لا علمائهم ، و
لا ادبائهم. و لا حتى معنى دليل المعلم.
ناهيك ان تصير القصة المطولة رواية
!
سيدي هدارة ، او الولد الذي تربى مع النعام ، شانها شان جل الكلاسيكيات
التراجيدية خاصة اليونانية ، حين عولجت كنص قصصي درامي تكفيري تطهيري ، كتارسيزي Catharsis ، التطهير من ادران انفعالات النفس. و حين عولجت اشكالية
اكلينيكية سيكولوجية ، عقدة اوديب عند الرجل كفعل (اوديب ملكا). كما عولجت كعقدة
اوديب عند المراة كفعل (اليكترا). عند الكاتب صوفوكليس و عند العالم النفساني
النمساوي سيقموند فريود.
اذن كتاب الكاتبة السويدية الصحفية مونيكا زاك عن الولي الصالح الجزائري
جدير بهذا الدور المزدوج ، يحقق المتعة السردية كرواية نموذجية عن الصحراء ، كما
يمكنه ايضا ان يحقق دوره الطلائعي في صنع الابداعية ضمن معالم حضارة التربية
الحديثة..اين يذوب الاستغلال الفني في الاستغلال التربوي.
بل بامكانه ان يخدم البعد الدبلوماسي ، اذا ما تبنت وزارة الداخلية و
الجماعات المحلية و كذا وزارة الخارجية ووزارة الثقافة و الفنون ، ووزارة التعليم
العالي و البحث العلمي معالجة كتاب مونيكا زاك ضمن مسرد من سرديات الصحراء، و في
شكل تساؤل : العلم و الادب ايهما الاخر ؟