الفقر و الأمية إلى متى؟
العقيد بن دحو
يقول صاحب "الثيوغونيا" Theogonia او هي انساب
الالهة ، الشاعر الملحمي الاغريقي هزيود : "الفقر دية الكسل".
بمعنى بما انك كسول فانت فقير ، تحصيل حاصل !.
كما تقول الالمان : "عن قريب تحتفل المانيا بموت اخر امي "!
بمعنى القضاء على الاميةقرار و ليس خيار.
الغريب العجيب ان نستمع الى كادر او اطار ما يصرح جهارا نهارا ان الدولة
فقيرة ، و كان الفقر اضحى امتياز او مسعى يجب ان يسعى اليه الفرد و الجماعة ؛
بل الدولة ايضا.
هاتين الافتين (الفقر و الامية) ليستا قضاء و قدر ، يتحكم في مصائر البشر ،
بل العديد من السياسويبن الانتهازيين الميكيافليين ، يريدون و يتمنون من المجتمع
ان يظل اسيرا سجينا ، مقيدا لهاتين الحالتين الماسويتين ، حتى لا يفكر في حريته
السياسية.
وعندما نشاهد مقرات و هياكل و مرافق تشيد ، بنيات تحتية و فوقية ؛ تحت مسمى
او شعار محو الامية. نستشف ان القضاء على الامية كما رفعته المانيا في اواخر القرن
الغشرين ليس غدا !.
يجب تحديد سقف او حد زمني و مكاني ليتم فيه القضاء على الامية نهائيا ، كما
تم فيه القضاء على بعض الامراض التي كانت مستعصية على المعالجة الاكلينيكية
كالتيتانوس ، الدفتيريا ، الملاريا ، الحصبة ، الكساح... و غيرها. غير ان الحماقة
، الانانية الترجسية السادية اعيت من يداويها . شعارهم : هم و بعدهم الطوفان !
صحيح قد نتفهم التوجه الاجتماعي للدولة الجزائرية ، لكن الى متى ، و شوكة
الاتكاليين تقوى ، بل تتكيف مع الطارئ ، كلما فكرت الدولة ان تتقدم و تخلق الية
مساعدة الفئات الهشة في مناطق الظل ، الا وزادت و استفحلت الايادي المتسولة ، ليست
خشية املاق ، انما من مرض اجتماعي صار ينخر نسيج الهيكل الاجتماعي ، فجاة يظهر الجميع
معوزا في حاجة الى مساعدة ، حتى صار يضرب مثلا شعبويا : " ان وجدت الدولة
توزع (الصفع) ؛ فسارع لتكون اول من يصفع " !..فان الكمية محدودة !..
بطبيعة الحال هذه الافكار الرثة البالية القديمة ، التي تتكرر مع المكرر ،
و تجرب مع المجرب ، هي التي في كل مرة تعيدنا الى نفس المربع الاول. و تصير الامية
الى ما لا نهاية و الفقر سرمدا ، مادامتا تجدا ذوما القابلية للعيش و الكد السهل
البسيط الساذج.
ان اعطيت سمكة لمحتاج عمل رائع ، لكن ان علمته كيف يصطاد السمكة عمل و لا
اروع (براهام نكولن).
متى يتم القضاء على الامية؟
بل و متى يصير المجتمع غنيا.
فان الفقير اخو الامي ، لا تنتظر منه كد و لا جد و لا اجتهاد و لا ان يفكر
، مادام دائما يجد من يفكر بدلا عنه ، من يقوم مقامه ، يكتفي بالرضا. و يترقب ما
تجود عليه السياسة و تحولاتها من فتات رغد العيش.
الفقير لا يستطيع ان يبدع ان يخلق الثروة لنفسه و لا النماء لمجتمعه او
لدولته او ان يصنع حضارة ، انما يفضل ان يعيش عالة طفيليا على من يعمل ، و يظل
ملوما محسورا ، يشعر بالتقصير نحوه. شاكيا باكيا و الظالم الظروف و اشباح وليام
تشكسبير في مسرحية رومانسية ، يدور محورها الدراماتوجي الاقتصادي السوسيولوجي
للسيكولوجي حول القضاء و القدر !
كون لا احد يريد ان يتحمل المسؤوليات العديدة المتعددة ، الهروب الى الامام
هو الحل حاليا ، و ترك الامور العالقة امام مصير مجهول او الى اجل غير مسمى.
لا تنتظر تنمية او ابداع او خلق ثروة من جماعات تستثمر في الفقر ، تمتهن
الكسل ، و كلما غلقت بابا للامية وجدت من ينتهجها و يبرمحها على مدى طويل ، مادامت
الدولةهي من تدفع اجور العمال و هي من تشيد المرافق. فوراء كل مشروع فكرة خليه
دبايير حيل.
يجب اعادة وجهات النظر بالفقر في الجزائر و اللا يتم تدوينه ، انما ينبغي
مكافحته لا التشهير به ، كما هو حال الامية التي نخشى ان تصير لها مديريات و معاهد
!
و هكذا نصبح ندور في حلقة مفرغة ، نحارب طواحين الهواء الدونكيشوطية بلا
رجاء و لا امل.