مسرحة الرواية و احالة الرواية الى مسرح
العقيد بن دحو
صحيح كما يقول (بول فاليري) : "ان هناك انصابا تتكلم و انصابا
تغني".
فالرواية قد تصبح فنا من الفنون كفن العمارة او الشعر.....
فبقدر ما يقال ما هذا (الغناء) بقدر ما يقال ما هذا (المؤثر) !
فما من ثمة فرق بين الرواية و الشعر: " ان الرواية هي شعر يقرا ، كما
ان الرواية المنطوقة هي شعر يغنى ".
الشعر بالمعنى العميق للكلمة ، تلك الكلمة البدء ، المصحوبة بالاشارة التي
تسبق الحركة ، فن الشعر بالمعنى الارسطوي.
ثمة تضمحل و تتلاشى الحدود و الابعاد بين الاجناس الادبية ، و المذاهب و
المدارس الفنية.
غير ان ليس كل ما يلمع ذهبا ، و عندما اشار افلاطون الى القمر ، لاحظت
الحمقى الاصبع !
بمعنى : ليست كل الروايات لها القابلية للتحول الى جنس المسرحية ، حتى ان
كانت كلماتها و جملها حوارية ، مؤثرة. ايقاعية ، و مغناة.
فاذا كانت الرواية عموما تمرينا ادبيا يستخدم الانسان قصة كي يعبر عن شيئ
اخر.
بينما المسرحية هي فن لعبة المحاكاة ، القصد من جراها اعادة التوازن بين
الانسان و المحيط.
واعتقد ثمة بون واسع بين (التمرين) و (اللعب)
ان غاب الحوار بالغالب في الحالة الاولى ، و اساسي ، محوري ، مركزي في
الحالة الثانية.
كم يتهاون البعض ، و يتساهل الانر ، حين يغدو مغردا خارج قواعد الفنون و
الاداب ، ونواميس مقاييس و مساطر اخلاقيات الفنون و الاداب و الفكر و الثقافة منذ
عهد ارسطو الى بريخت ، خارج السرب ، يحول من يحول ، و يبقي على من يبقي دون خلفيات
و لا مرجعيات ثقافية ، كافيه لنقل و تحويل الالم من طابعه السردي الروائي الجمعي ،
الى طابعه الشعري الغنائي الفردي او الفردانية. و لا حتى من يسائله ثلث الثلاثة كم
!؟
في ظل غياب النقد الادبي و الدرافي فاض الجو للغوغائيين و للتهريج و الضحيج
و العجيج ان تستنسر في هذا (المتحول) جنسيا و نفسيا و عضويا و ذهنيا.
لا يمكن ان نعبر عن هذه الحالة الا بتعبير ما اطلق عليه في علم سوسيولوجية
الادب : "الخيانة الابداعية".
فالرواية رواية و المسرحية مسرحية ؛ تماما كمقولة الشرق شرق و الغرب غرب
فلن يلتقيا ابدا (كيبلنج)
فدعوا ما لله لله و ما لقيصر لقيصر
!
من الصعوبة بمكان ان تحول الطابع السردي الى حوار دراماتوجي ، لا تتحول فيه
الوحدات الخاصة بكل جنس (...) و الخصوصيات ، و انما بعض الكلمات و بعض الجمل ، و
الايقاع و الجمهور المستهدف. و ربما حتى العنوان يطرا عليه تغيير محتمل !
كما ان النصوص الدرامية عموما تمتاز بالقدم ، حتى ان تكررت ، فهي دائما تعالج نفس مشاكل الانسان نفي
اللحظة او اية وحدة زمنية اخرى.
كتلك القصص المطولة الدرامية التي حولها جون بول سارتر ، وكوكتو ، و ابسن
من طابعها الكلاسيكي الى القالب الوجودي او الرمزي او السيريالي. كثلاثية اسخيلوس
(اوريست) التي حولت الى (الذباب) او
(الندم) ، راعى فيها المؤلف اسلوب الكتابة على كتابة ، بما يراعي قيم مجتمعه ،
معالجة سيكولوجيو اجتماعية قومية وطنية تحررية.
كما يجمع النقاد والفلاسفة الالمان و على راسهم شوبنهور و شلنج ، و هيجل ان
ملهاة "الضفادع" للشاعر الدرامي الكوميدي الملهاتي ارستوفانز مما قبل
الميلاد كانت نصا او بمثابة مقالة نقدية مطولة اكثر منها نصا مسرحيا دراميا يعالج
فيه المال التي الت اليه التراحيديا الاغريقية في اسلوب و قالب تهكمي ساخر ، وجه
فيها الشاعر ضربة قوية الى شعراء الدراما التراجديا الذين كانوا متربعين على عرش
الماساة انذاك : (صوفوكل - يوريوبيدز - اسخيلوس).
اليوم من هب ودب صار يمسك بعصا موسى ، و يدعي بانه كبير السحرة سحرا اذا ما
القى ، قادر ان يحول الحجر الى حجر فلاسفة ، و سيد القادرين على تحويل النص الادبي
من الرواية الى فن المسرحية .
المنقذ ، المخلص ، يخلص و يتقذ جمهورا داخليا سجينا "لسادية"
مرضية ، دفينة في نفس ذات المؤلف الروائي.
جمهورا اسيرا ببن دفتي كتاب ، الى جمهور حر طليق ، سيد الركح ، ينشد حوار ما ،
يستهدف الجمهور القارئ الذي صار جمهورا مشاهدا ، بل شريكا و متفاعلا بالاحداث
الجديدة الطارئة .
صعب جدا ان تحول فن الرواية السردي المطول الى نص مسرحي يعتمد على الحوار
اولا ، و عبر وسيط السيناريو و السينوغرافيا الى عمل على الركح ، الى فعل
المحاكاة.
دعوا الفكرة تتخمر اولا ، تنضج ، واستشيروا قبل ان تضعوا انفسكم في مساءلة
تاريخية ادبية فنية ، ثم اقتبسوا او سموها كما شئتم و لو ان النقاد و المفكرين
الجادين منذ سنينا خلت سموها الخيانة الابداعية !
دعوا المسرحية للمسرح ، كما دعوا الرواية لذات جنسها ، غير هذا لا يمنع من
مسرحة الرواية و احالة الرواية الى مسرح !
كون مادامت الحواس و الافكار تتداعي و تتراسل بالوغي و اللاوعي ، فتصبح
المشمومات مسموعات و المرئيات اذواقا ، و الملموسات بما يغني اللغة الشعرية ، فان
بالغالب لا تشعر بهذا العبور المؤلم ، فقط ان وجدت الاديب (الخائن) ، الماكر ، من
يخدعنا في مكاننا و زماننا و في الشخصبات بان هذا العمل خاليا من اية مفسدة ونوقل
بامانة و اخلاص ، و رغم كل هذا يندرج تحت باب الكذب الفني. اذ اعذب الشعر اكذبه او كما قال رامبو ؛ "
انا كذبة تقول الحقيقة ".
دعوا المسرح للمسرحيبن و دعوا الرواية في شانها
يكفينا مرضا ادبيا و نهاية تاريخ وفنون !.