الننمية الادبية الفنية و البحر
العقيد بن دحو
الى حد
الساعة لا اتخيل عملا فنيا ادبيا فكريا بعيدا عن الساحل او البحر.
صراحة عندما
يعرض علي عملا انسانيا ، سواء كنت طرفا فيه او مجرد مدعو كسائر المدعويين ، اظل
افكر في كل ما يعرض علي وهو بعيد عن البحر ، كون للجغرافيا اثرها اللوجستيكي على
القيم الانسانية و التنمية بصفة عامة و كذا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
لطالما جلت و
قدست الاغريق البحر ، و اعتبرته موطن ومملكة الالهة " بوزيدون" الهة
القوة و الابداع.
لذا تفطن
الرجل الاول مبكرا الى اهمية البحر الاقتصادية و التجارية ، فبنى بيوته و قلاعه
الحربية ، ومع الايام شيد موانئه و مدنه و جماعته البشرية.
لا اتخيل
عملا ادبيا فنيا فكريا بعيدا عن البحر ، فللبحر طقسه الخاص في جعل المبدع يحيط
بتامله الايجابي ، مما يجعله بدوره يخلق مملكة احلامه ، تلك الاحلام التي تتحول
بقدرة قادر الى عوالم و اكوان بديعة تساعده على الخلق و الابداع و الفن و الجمال.
لكن هذا لا
يعني ان ساكنة المناطق البعيدة عن الساحل ليست مبدعة و خلاقة للثروة و مصدر العيش.
هذا لا يعني
ان ساكنة الصحراء لا تبدع ، في زمن صار الانسان سيد تقرير مصيره ، هو من يضع نفسه
موضع الساحل و يكتب و يبدع و يخطط للحظة و كذا للمستقبل.
اخيرا تمكن
الخبراء و العلماء و المفكرين ان يجدوا معادلا بحريا و موانئ على اليابسة.
السكك
الحديدية و مرور القطار من المناء الى المناء على اليابسة جعل هذه المسافة و
المساحة التي يمسحها القطار بحرا من البحور يجري بالبرية ، و حينها تصير المناطق
البعيدة مدنا على اليابسة البحرية.
استغرب منطقة
تنموية و تدعي النماء الحضاري و هي لا ترى الى البحر بعين الباعث على النجاح. بل
لا تفكر حتى في انشاء خطوط السكك الحديدية.
و فتح الطرقات على البرية ، يجعل الساكنة تفكر
في حلول اخرى ، كما يسهل على المبدعين حرية الحركة و التنقل ، و تبادل المعارف و
العلوم ، و القدرات الفكرية. وكذا خلق
الحافز على التفكير و التغيير لخلق ظروف و بيئة اجابية ، و كذا التكيف مع الظرف
الطارئ و التغلب على كافة المحاذير و المخاطر الايكولوجية و الطبيعية.
التنمية
البشرية تجابه قوتين متعاكستين تحد من فعالياتها عدد الساكنة ، يجب ان يصل سقف 100
مليون نسمة كما يقول المنجرة ، و فتح الطرق و السكك الحديدية شمال جنوب.
صحيح يجب ان
لا تستسلم الساكنة للجغرافيا و للصحراء و للتصحر ، ان تتكيف مع زوابع وتوابع
الصحراء وتاثيرات الجغرافيا .
ومع هذا يجب
ان نظل عقلانيين و نقر ان لا تنميةللمناطق البعيدة عن الموانئ و البحر ، و لا تطور
ثقافي او ادبي او فني ان ظلت تفكر و تستشرف ما بالبحر
انا البحر
فيه الدر كامن *** هل سالت الغواصين عن صدفاتي.
لذا لم يكن
غروا ان جل الملاحم الانسانية الاليادة ، الانيادة ، الاوديسة ، الشاهنامة ،
المهابهاته ، و جل الاداب و الفنون الدرامية الانسانية عند الاغربق و الرومان شيدت
على شواطئ البحار.
تظل الكتابات
و الفنون و الاداب بالصحراء مجرد كتابات جافة بعيدة عن رطوبة البحر ، و عن ما سكن
البحر من عمالقة حيوان و كائنات بحرية ، خوارق و صواعق بحرية. تشكل حوار ما مع
الساكنة ، مما ينعكس بشكل ايجابي على كتابات الساحل البحري و على التنمية البحرية.
لقد قيل
فديما اعطونا الكرة و نحن نلعب ، و اعطونا المكتبة ونحن نقرا ، و اعطونا المسرح و
نحن نمثل ، فبامكان ان نقول اعطونا البحر و نحن نبدع و نتنمى و نتطور و تزدهر.
شتان بين
البحر و الصحراء ، بين ساكنة الصحراء و ساكنة الساحل ، و بين من يبدع ، يكتب ،
يرسم ، ينحث ، يؤلف ، يمثل من قلب الصحراء ، و بين من يقوم بالمثل على الساحل.
قد يقول قائل
ان للابداع عموما حالة خاصة ، متعلقة بذات الفرد ، قد يبدو كذلك غير ان للجغرافيا
دورها الخلاق في بناء الذات الابداعية.
قد يقول قائل
: يجب ان لا ننكر دور البيئة و التاريخ و الانسان في بناء حضارة صناعة القيم
الانسانية.
غير ان
البيئة لا ترحم. و لا تعطي لضعيف قليل
العزيمة.
الشرق شرق و
الغرب غرب لا يلتقيان (روجو).
يكون من
الجنون ان نطالب الصحراء ان تكون شمالا او ساحلا ، غير انه بامكان القدرات الخلاقة
ان تجعل معادلا بحريا كبناء شبكات واسعة من خطوط السكك الحديدية و القطارات.
كم كان صادقا
بن خلدون عندئذ حين قال : " الخضارة شيدت على شواطئ البحار"..و البحر
بحر و الصحراء صحراء ، ة يبقى الابداع بينهما تسبة و تناسب.