جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

غزة و لا كل المدن

العقيد بن دحو

رغم اني كتبت كثيرا عن غزة المدينة الفلسطينية المفجوعة ، منذ ان اعلن الكيان الصهيوني الاسرائيلي الحرب على المدينة ، الا ان و بطلب من الاخ الصديق السيد مدير الثانوية احمد جعفري ، ان اخصص كتابة باكملها عن غزة ، و نزولا عند طلب اخي و صديقي ، رغم كنت هذه الصبيحة مبرمجا على كتابة اخرى ، الا ان اراء واقتراحات اخواني و لصدقائي لاولوية حتى على نفسي.

غزة ، و ما ادراك ما غزة ، العصية ، و شوكة في حلق المستعمر الصهيوني العنصري الاسرائيلي ، ببطولاتها ، و بجهاد و استشهاد رجالاتها ، ما فتئت تسجل و تسطر احرفا من ذهب ، من نور ونار في سجل مسرد فهرس تاريخ الكفاح البشري قاطبة.

غزة وحيدة ، و بصدر اعزل واجهت و لا تزال تواجه الكائن المستبد ، و من ولاه ممن تعاهد له بمعاهدة بلفور 1948 المشؤومة.

لا تزال غزة على العهد .  الانسان ، و انسنة الانسان كل مثقال حجر فيه يقع تحت قدميه لصنع قاعدة تمثاله المقدس، ذاك الانسان Homo الصمود و التحدي ،  ابى الا ان يعيش حرا طليقا ، و  للحرية الحمراء بكل يد مضرجة تدق. ثمنها و ضريبتها ،  لا سيما مع كيان امتاز بكل صفات الحصانة الدولية ، و حق الفيتو ، بل و الحق التاريخي كوطن اليهود من النيل الى الفرات ، و خص بمجال حيوي من الماء الى الماء ، من النهر الى البحر ، من جكارته الى طانجة لا تغيب عنه الشمس.

كيان زرع في خاصرة الامة العربية ، يقتل من يشاء و يبقي على من يشاء (امعة) ذليلا مطبعا ، خانعا ، مطيعا لسطوة اسطورة "شمشون" ، القاضي العبري ، المشهود له بصرخته المدوية "علي وعلى اعدائي يا رب" !.

كيان قضاء و قدر بالمعنى الاغريقي القديم للكلمة Parque , يحول الحجر و الشجر و البشر الى شيئ من ضمن اشيائه ، يقوم عليهم بمختلف التجارب الاختلاقية و غير الاخلاقية ، فهو لا يكتفي بقتل الاطفال و النساء و الشيوخ ، و يسجن الشباب منهم ، نتيجة لمرجعية و خلفية خرافية يهودية : " ان  الله اجاز لليهودي قتل اطفال الفلسطنيين هدية لاطفال اليهود".

بالطبع ظلت هذه الفكرة سائدة بالمخيلة اليهودية الى اجيال متلاحقة ، الى حين  اقبل صديق الثورة الجزائرية ، و من اسلم على اراضيها ، المفكر. المستشرق (روجيه غارودي) ، الذي صار يدعى (رجاء غارودي) بعد اسلامه و كذب المقولة. ليتهم فيما بعد بمعاداة السامية !

وهو سلاح اخر فكري يمنح للمدلله حبيبة امها (ماما امريكا) ، و حبيبة القارة العجوز (العم سام).

وهاهي كل خرافات و مزاعم اسرائيل ، و اغاني الغرب و التباكي على حائط حقوق الانسان ، تتحطم على اسوار غلاف قطاع غزة. مقاوم فلسطيني اعزل الا من سلاح ايمانه العميق بقضيته العادلة ، من مسافة صفر ، يقرب مسافات من كان به صمم و من العده الجحود و السكوت عن الحق  . و يسمع للطرف الاصم البكم العمي ، الذين هم جعلوه قويا على العرب قاطبة . جعلوا منه فوبيا ورهابا ، و عقدة لا تقهر ، و كونت حوله الدعاية البروبجندا الغربية هالة لا تقهر و لا تولي الادبار ، كل من حاول ان يسمي الكنعانيبن وطنا مستقلا للفلسطينيين مجددا.

فهم يرونها ارض بلاشعب ؛ و شعب بلا ارض !.

غزة هذه المدينة التي لا تتجاوز مساحتها بعض المئات من الكيلومترات ، و ساكنتها بعض الالاف من البشر ، بعضهم مهجر ، بعضهم محاصر ، بعضهم مسجون اعطت درسا للعالم في ميدان الكفاح و المقاومة ، و ابطلت مفعول السلاح الخارق الحارق الاسطوري (درع وسهام هرقل المجنحة) الذي لا يرد ، و لا يقهر.  لا يؤسر ، و لا يغتنم !

اعطت غزة دروسا للعالم قاطبة عربا و عجما ، اكيد ستظل الكليات الحربية تراجع ما قامت به من بطولات جسام ، و ما حققته من انتصارات و ما انزلته من هزائم في نفس و روح الجندي الصهيوني الغازي حتى قبل ان تحط الحرب اوزارها.

اكيد ستراجع كبريات الكليات الحربية العالمية نظرياتها و سننها الحربية ، معنى (صفر مسافة) ، و كلمة انفاق ، و ما معنى ان تتحطم و تدرم النيران بدبابة (ميركافا) مركز ثقل الصناعة العسكرية الاسرائيلية ، التي كلفت خرافة صناعتها الملايين من الدولارات ، تحترق كالنار في الهشيم ، من مجرد صاروخ منتهي الصلاحية ، اعيد تاهيله بايدي مهرة محلية.

غزة علمت المدارس الحربية العالمية ان الضباط و كبار القادة ليست بالاوسمة و لا بالنياشين المستحقة ،  مع حفظ الالقاب و الرتب ، و لا بالبزة العسكرية و لا الصدرية و لا الخوذة الواقية للرصاص و لا (بالرونجاس) يتم تلميعه مع كل عقد مؤتمر قمة عربية طارئ !

انما الجندي المكافح الحقيقي ما صنعته غزة ، المقاومة الفلسطينية تحت الارض ، بعيدا عن البريستيج و موزاييك الصالونات ، و المعارض الفضفاضة ، و مناورات طواحين الهواء فوق الارض!

المذهل ، المدهش ، الهائل غزة اذهلت العالم ، الصديق قبل العدو ، الجار الجنب قبل الجار البعيد.

غزة لم تصفر مسافة الحرب ، بل صفرت كل معاهدات التطبيع ، وصفرت العالم من روحه الا انسانية ، على المباشر الحي ، و بام عينيه يرى كيف تقتل البراءة تحت الردم بامهات القنابل ، عوضا عن امهات يحتضننهم ، و يمنحنهم الخبز و الحياة.

غزة عزة العالم امام مراة كونية عملاقة ، تظهر من جديد فكرة الشر الابيض ، حين يصير الحاكم الغريي مؤيدا العدوان على غزة ، بحجة كاذبة واهية ، حق اسرائيل الدفاع عن النفس.

شكرا غزة لقد قاومت و جاهدت نيابة عن كل مواطن عريي ، و ازحت عنا غشاوة النظر على ان الارادة اقوى من قضاء و قدر بني صهيون.

واذا الشعب يوما اراد الحياة *** لابد ان يستحيب القدر !.

كما علمت غزة العالم انها في كل مرة تستنهض الهمم ، تنهض مجددا من رماد احتراقها كطائر الفنيق. منتصبة القامة مرفوعة الراس نحو المجد و السؤدد تقترب.

انتصرت غزة رغم التضحيات الجسام ، و ربحت المعركة و الحرب معا و لا نامت اعين الجبناء.

في الاخير لا يسعني الا قول الشاعر يا غزة العزة :

وما انا الا من غزية ان غوت *** غويت وان ترشد غزية ارشد.

غزة يا معجزة هذا العصر الذي اثقله منطقه ، بكفيك فخرا انك اظهرت الوجه الاخر لهذا العالم المزدوج المعايير و المكاييل ، الوجه البشع ، الذي ياكل مع الذئب و يبكي مع الراعي .

لكن الذي يؤلم الشجرة حقا اكثر ليست الفاس في حد ذاته ، انما المقبض الذي صنع من خشبها.

ان الذي يؤلم غزة حقا اولئك المطبعين من بني جلدتنا ؛ الذين يتمنون ان يستيقظوا ذات صباح  ليجدوا البحر قد ابتلع غزة !

هذه المدينة الشجاعة ، العقبة الكاداء التي لقنت العالم درسا في التحرر ، و النجاح و الانتصار و الفوز . بالطبع لا تكون مخرجاتها بردا و سلاما على كثير من الاوطان و الانسان ، و على كثير من الافكار و الاذهان التي تعيد وجهات النظر في مساطر و قواعد الحرب و السلام معا.

اعادة ترتيب البيت العالمي ، يكون في المكون الحقوقي للشعوب في تقرير مصيرها اولى الاولويات فالحياة لا تعطي لصعيف.

انتصار غزة هو انتصار عودة التاريخ مجددا حيال قوى الخير و الشر ، انتصار الشعوب على نفسها اولا ، و على تلك الفوبيا التي جعلت البعض يؤمن جيش اسرائيل جيشا لا يقهر.....!


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *