ثلاثية المراة النرجسية
هيردياد - كلوتمونسترا - فينوس السوداء
العقيد بن دحو
"هيرودياد" He'rodiade , و ما ادراك ما هيرودياد ، الملحمة الشعرية
الخالدة للشاعر السيربالي (ملارميه).
هيرودياد ، قال لي ذات يوم استاذ الدراما من جمهورية مصر العربية. باحدى
المعاهد مدينة وهران ثمانينيات القرن الماضي : ان لم تقرا هيرودياد كانك لم تقرا
شيئا في حياتك ، كانك لم تغني ، كانك لم ترقص ، كانك لم ترسم ، و لم تلعب قط في
حياتك ، منذ ان اجاب اوديب ملكا و فك اللغز : الانسان !
بطبيعة الحال غناء ، رقص ، قراءة ، و لعب عميق الجذور.
حين يكون الشعر اغنية يسلي بها الشاعر وحدته (سوزا)، و حين يكون الرقص حكمة الزنوج : قانونا ،
قاعدة. مسطرة و عدالة "انه يمسك
بالحياة و يعيد توزيعها حسب قاعدة الغناء و عدالة الرقص". (هامباته امبا)
النيجر.
هيرودياد ، انها (بروتيه) اسطورة الرواية الشعرية الحديثة ، انها كالشعلة ،
لا يمكن ان تبوح بسر من اسرارها و
مكنوناتها اللوجينية الزمردية العسجدية ، دون ان تلقي عليها و تقيدها ، وفي لحظة
غضب تتحول الى بركان ، الى زلزال. الى اعصار ، الى شواظ من نار ، و مع هذا كله لا
تبوح بشيئ !
هيرودياد المراة الخرافة بوجهها الثلاثي لفعل واحد ، كلوتيمنتسترا - فينوس
السوداء.
هيرودياد او تسمى اصطلاحا "شتاءات ملارميه" الهة الهام ، ظل
الشاعر ملارميه يتردد عليها مرارا و تكرارا طيلة ثلاثين سنة ، كما يعود العشيق الى
عشيقته ، او كمن يكتسب عادة لا يمكن التخلص منها.
ظلت هيرودياد القصيدة الارق. المعانات ،
كابدها الشاعر وحيدا كالظل الحسير.
ظلت مستعصية على الفهم ، عصية الادراك.
ثلاثون سنة ، ثلاثون شتاء ، تعز على الشاعر ان يفارقها او تن تنحول الى
سجينة بين دفتي كتاب ، ليخضعها الى تجارب الكاتب السادية. يحولها الى شيئ من ضمن
اشياءه و يخصعها حسب اهوائه و ميولاته و رغباته الطفولة المراهقة المتفدمة منها و
المتاخرة ، الى منطق "سرير بروكست" ! . صارت جزءا من كيانه. و من روح
روحه ؛ بل عضوا من اعضائه البيولوجية الفيزيولوجية السيكولوجية السوسيولوجية.
تصوير الاثر الذي يحدثه الشيئ. لا الشيئ نفسه.
الاميرة العدرية الباردة ، في ترفع عن عالم الرجال ، القصيدة العصماء
العصية ، التي لا يمكن امتلاكها ، المراة المتمردة فوق طقوس الجنس الانثوي ، وفوق
ما تسعى اليه الذكورة الرعناء من الاعيب و اعاجيب غواية اصناف مميزات الرجال....،!
تلعب دورها المزدوج الدرامي كاميرة و كاسطورة و كشخصية و رمز.
كانت تمثل اسطورة الشتاء ، حين تلجا الى مبيتها الشتوي ، كذوات الدم
البارد.
تتناول موضوع هيرودباد ظاهرة العقم الفني ، مشكلة الخصب و الولادة ،
كاستحالة ولادة قصيدة متكاملة. سر يحول العبادة الى صمت.
هيرودياد امراة لا تشعر بالحب ، حب بارد موغل بالتشاؤمية.
المبدا الشعري الباطني ، الوجوه الرئيسية الثلاث : الملائكية ، الكهانة
، النرجسية . بمعنى الملائكية ان الشاعر يخلق عالمه الخاص و يعيش
فيه . و هذا يطابق هجر هيرودياد العالم ورجوعها الى برجها العاجي ، ووجودها
المنعزل. اما الكهانة فتتجلى من جهة ، في محافظة الشاعر على اسرار الشعر و غيرته
عليها ، و تتجلى من جهة اخرى في مسلكية هيرودياد السحرية ، و في اساليب حياتها
الشعرية الشعائرية.
بينما النرجسية : تمثل اكبر وجوه المبدا الباطني عمقا و غموضا ، و هي موقف
يفترض في كل شاعر ان يكون هو نفسه موضوع شعره ، و يتجلى هذا الموقف في كلام
هيرودياد الذي وجهته الى مراتها.
تزهر هيرودياد كاميرة حقول من اجل نفسها.
انانية ، نرجسية و تسترجع رجع
صداها ؛ منها و عن طربقها و اليها.
تسيطر عليها فكرة التحول الى كاهنة ، وتمثل عذاب الوحدة. تتغلب على كل الاشواق
و وشائج العواطف ، تسعي لتتحول الى كوكب
بشري.
تجدها متجلية في لوحة بيكاسو الفنية التي رسمها سنة 1931 ، فتاة امام مراة ، نموذجا لها ، صورة في
الشعر ، صورة ، نفسية ، سيريالية لفتاة
مهوسة مهتلسة يرين عليها فنون كهنوتي ، ذلك ان كلا من هيرودياد و ملارميه و بيكاسو
يتحدث الى المراة و كانها تخاطب النجوم و
الفراغ اليباب.
هيرودياد امام المراة ؛ صورة في الشعر الدرامي ، تجسد كلوتيمنسترا في ماساة
الكاتب الشاعر الدرامي الاغريقي صوفوكل في ماساة "الكترا" ، هي نفسها في
ماساة ثلاثية اسخيلوس (اوريست - اجاممنون - حاملة القرابين).
كلوتيمنسترا امراة انانية لا تجلس امام مراة من زجاج ، تخضع لقوانين الضوء
الانعكاس و الانكسار. انما مراة الدراما ،
اين تجد نفسها كما هي في ذاتها ، و ليست كما يجب ان يكون .
امراة باردة المشاعر ، من اجل السلطة ، تتامر لقتل زوجها تقربا و قربانا
لعشيقها. تهجر ابنها تهربه اخته. تسلمه ايدي امينة حتى يشتد ساعده ، و بعود ليثار
لاخته و ابيه الكغدور....لتظل الكترا تتوعد امها و تنتظر عودة اخاها بالانتقام .
تعيش الكترا على عنوان شعار الكوميديا السوداء :
الحداد يليق بالكترا !
بل هي فينوس السوداء ، تمثل افروديت عند الاغريق ، طاردها ابولو اله الشعر
و العربدة و المجون ، تعتلي ....، تصير
نجمة في كبد السماء.