شارع "اونتجون" و ساحة "فينوس السوداء"
العقيد بن دحو
كان الاولى و الاجدر على الدولة الجزائرية حكومة و شعبا ، ان تسمي شارعا باكمله ، بل مدينة باكملها باسم "اونتجون" Antigone. نظرا لارتباط تاريخ (ماقبل التاريخ) هذه الفتاة الحرة الابية ، الثائرة اليونانية ، بتاريخ الجزائر الثوري ضد المستعمر المستدمر الفرنسي.
كان لابد على الجزائر ان تنتقل بثقافتها
من المحلية الى الوطنية الى العالمية، او ما يسمى بثقافة الدولة.
ان تبدي ثقافة الانسان الجزائري ، و انسنة الانسان لفظا ولحظا واشارة ، و
ليست مجرد بروبجندا اعلانية تتغذى على الاضافات ،
الى العالم الحر الثواق للحرية ، بل و الدفاع عن الحرية و ثقافة الشعوب. و
كذا الدفاع عن الحضارة الديمقراطية حرية و مساواة و عدالة ، في مكان هو كل مكان و
في زمان هو كل زمان في حدود انتشار التسامح و الامن و في سبيل السلام ووحدة العيش
المشترك.
ديمقراطية : خبز الفقراء و ترف الاغنياء.
اعطوني مسرحا و خبزا اعطيكم شعبا عظيما.
حديث بالف صوت.
هكذا تفهم الاسماء عندما توظف رموزا و اشارات و معالم حضارية.
اذ الاسماء و الطباع قلما لا تتفق كما تقول الحكمة.
تعود قصة اونتجون الى المسرح الوطني القومي الجزائري ، يوم مثلث اول مرة
على خشبة المسرح 1953 ، و ظلت على هذه الحالة ، نموذجا حيا كامنا مكنونا ، حتى سنة
1954 ، اندلعت الثورة الجزائرية الكبرى ، و اعيدت التمثيلية من جديد عرضا فنيا
للجماهير ، و لما شاهد الجمهور تضحيات اونتجون ، ضجت بالبكاء و العويل ، مما اضطر
سلطة المستدمر لتوقيف العرض.
خرج الجمهور غاضبا حزينا على المال التي الت اليه اونتجون. و لم يعود الى
دياره ، انما التحق بصفوف الثوار ، جيش التحرير الوطني جنديا ، ثائرا ، يحمل
السلاح ، بالتلال و الجبال ، بالاودية ، و السهول ، و الهضاب. بالصحاري و الفيافي و القفار وبربوع الوطن.
جراء تضحيات اونتجون التي كانت اسقاطا مباشرا على الوطن ساكنة و جغرافية و
تاريخا الذي كان يرزح تحت نير المسندمر.
صحيح اونتجون الفتاة اليونانية هي شخصية الفتاة الثائرة ، جسدها المخيال
الابداعي الجمعي و الفردي ، الذات العبقرية الاغريقية مما قبل الميلاد ، و انتقل
بها الى الركح امثولة و نموذج كفاح ، مراة عاكسة ليرى الانسان الاغريقي ، و منه
الانسانية جمعا مشاعرها و احاسيسها ،
ووعيها ، و مدى تفكيرها و رشدها ، ووجهات نظرها ازاء قضاياه المصيرية الكبرى ؛
تسري قي ادمغة الخلق اجمعين و الى ابد الابدين .
اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا كما تقول الاغارقة.
الاولى بالدولة الجزائرية ان تعيد احياء ماثر الثورة الجزائرية و هي تدعو
الى كتابة التاربخ فعلا وقولا، التي اصبحت اليوم نموذحا عالميا ، بفضل الاتسان
اولا ، و بفضل قضيتها العادلة ، التي شهد لها العدو قبل الصديق ، و الخارج قبل
الداخل.
كان لا بد ان تكون الجزائر في مستوى هذا الرقي الحضاري ، ليس تجسيدا فنيا
تكفيرا و تطهيرا كمخدر موضعي ببعض الوقت ؛
انما تفكيرا و تغييرا ، ، تلك الفكرة التي تغير وجه العالم كما يقول الالمان.
ليس بالخبز وحده يعيش الانسان ، و ليس بالعمران ، و ليست بالمحلية الضيقة
الفلكلورية ، و ليست بكل ثروات الدنيا الريعية و غير الربعية ، انما بالبعد
العالمي اين يصبح الفن دبلوماسية ، ذات اثر علاجي لكثير من تلك الامراض السياسية
الخارجية ، و التي تجعلنا في موقف لا نحسد عليه ، ، لا نكون فيه في مستوى ثورتنا ،
و في مستوى تضحيات الاجداد و الاباء الامجاد.
لسنا اقل ثقافة و فكرا و نضالا و سياسة و دبلوماسية من بعض البلدان جيراننا
بالضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط ، بعضهم نقلوا (مسلات) مصر انجازات عبقرية
الفراعنة ، و غرسوها بساحاتهم العمومية كشواهد حضارية ، و بعضهم نصبوها تماثيل عز
و شهامة و رقي , فينوس السوداء Noir
Venus ، منحوثات و ايقونات ، كل نسبة
و تناسب متحجرة حديث بالف صوت.
و بعضهم سموا شوارع باكملها اسماء شخصيات ، ليست دائما ابطالا حقيقيين ولا هم الهة او انصاف الهة ، انما هم شخصيات
ملهمة ، نتاج ، مكون مخيال جمعي على الورق او نقشا تمثالا على الحجر ، سرعان ما
صارت امثولة للعديد من القضايا القومية الوطنية.
تاربخ الدول ليس دائما المنجز
الوطني فعلا على ارض الواقع ، انما هو التاربخ الانساني المشترك بين سائر شعوب
المعمورة على وجه هذه البسيطة .
و عندما الجزائر تفكر في تعزيز ورفع اسم اونتجون او تكرمها ، ان تمنحها
جنسية ثقافية جزائرية ، جواز سفر دبلوماسي
، بطاقة مجاهد ، ان تستدعي القائم بالاعمال بالسفارة اليونانية ، و تسمي مدينة
ثقافية او شارع ثقافي باسم اونتجون او مكانة رفيعة او كرسيا جامعيا، فتلك قمة
الرقي و الازدهار المنشود الذي يختصر الزريق و .
هذه الثقافة الحديثة ، و هذه الدبلوماسية الراشدة الخلاقة الانسانية ، و
هذه ثقافة الدولة ذات الخلفيات الفكرية الفنية العملاقة ، التي من خلالها تستشرف و
تخطط للمستقبل. توفر الجهد و المال ، التي لطالما قلت زمنا طويلا باحثة عنه.
التاريخ ايضا ابداع ، فلسفة ، و شعرا ، و اسطورة.
وكم كان صادقا (ستالين) حين سمى الفنانين ، الادباء ، المفكرين بمهندسي
الروح !
فلنخطط ، و نبني ، و نشيد معالم حضارية اخرى روحية ، ونصنع من مقام تمثال الميثولوجي قراءة اخرى للثورة الجزائرية.
اونتجون وغيرها ابعادا ووجهات نظر لا يطالها زمان و لا اية وحدات لحظية اخرى.
اونتجون يا جزائر الامس و اليوم وغدا !.