انسان بلا صفات و انسان اللامعقول (سيزيف)
العقيد بن دحو
في مجرى الزمن استطاع الانسان ، ان يتكيف مع ظرف الطارئ ، لا يطور نفسه حسب
كل عصر انما حسب كل ييئة مانحا لنفسه فرصة التكيف و السيطرة على بيئته و ابداع
مصير له.
الانسان مركز ثقل الكون ، الانسان Homo لا قيمة
للاشياء التي تحيط به . استطاع ان ينتقل عبر صعوبات من الزمن ، من الانسان العارف Homo Sapiens الى الانسان اللعوب Homo Ludens , الى
الانسان الخرافي Homo Faber ، الى الانسان الشاعر Homo Poeticoes وصولا الى هذا العالم الذي اثقله منطقه ،. اذ منذ ظهور الانطباعية
في الفن و الادب و الثقافة ، تحلل الانسان الى لون و ضوء و ظل و شكل ، و انتقل
مركز الثقل من الانسان الى الاشياء. عندما اصبح (الانتاج) يتحكم في الشخص المنتج.
يبدو كانه برغي او دولاب صغير في اليات صخمة كانها القضاء و القدر.
في انسان بلاصفات (روبرت موصل) و
هي رواية تحاكي شخص رجل بلاصفات ، و قد استغرق تاليفها نحو عشرين سنة ، و هي عبارة
عن موسوعة ضخمة ، من حوالي الفي صفحة. تروي قصة الكفاح الشعب النمساوي ما بين
الحربين 1919 - 1939.
لابد من المحافظة على قوة الحياة كاملة غير مجزاة ، ان الحضارة المبنية على
تقسيم العمل سيكولوجيا و سوسيولوجيا، هذا التقسيم الذي يحطم وحدة الحياة و يحولها
الى اجزاء و شظايا متناثرة ، انما هو الخطر الاكبر الذي يهدد روح الانسان.
هو الانسان بلاصفات ، كان الاجدر و الاولى على المرء ان يستطيع ان يصبح
انسانا و هو مرتاح الضمير اكثر مما يستطيع اليوم ؛ وهو يرى ان مركز ثقل المسؤولية
لم يعد في العلاقات الانسانية ، العلاقات بين الناس ، بل في العلاقات بين الاشياء
ثم تراه يشكو في موضع اخر من القحط الداخلي ، و المزيج السقيم من الاهتمام
بالتفاصيل و اهمال الكل. و القاء الكائن الانساني في صحراء من التفاصيل...، بل في
تصحر من اللا تفاصيل .
ليس هناك اسم يحدد شيئا . كل شيئ يغلفه الضباب و المجهول. و الاسماء المختصرة الحروف التي
تطلق على المؤسسات و المصانع الضخمة و الكبرى تبدو و كانها كتابات هيروغليفية بين يدي قوة غامضة مجهولة . ان الفرد يواجه الات ضخمة غير مفهومة و عير شخصية. تبلغ من القوة و الصخامة حدا يملؤه احساسا بالعجز : من الذي يتخذ القرارات.
من الذي يوجه الاعمال؟
الى من يتوجه المرء طلبا العدل و المساواة؟
غير ان في انسان اللامعقول هو عصر الانسان ، عصرنا المعاصر. الذي يضحك بلا
فرح و يبكي بلا دموع . الانسان ينظر و لا يرى ، ينصت و لا يسمع شيئا ، يتكلم و لا
يقول شيئا. انه عصر مريض مرضه هو مرض الامراض ، مرض الشعور بالعبث ، السام ، الكسل
، و الملل. السام الشامل ؛ الخالص. السام الذي ليس له مادة سوى عمق وضوح بصيرة
الحي.
انسان اللامعقول هو انسان (سيزيف) الذي وصفه " البير كامي" ،
بانه يكره الموت و يحب الحياة ، و بعصي اوامر الالهة. الالهة التي حكمت عليه ان
يدفع صخرا الى قمة الجبل. و كلما دفع
الصخر يعود الى السفح. عود على بدء و الى
ما لا نهاية.
سيزيف و هو يقوم بهذا العمل حيث لا جدوى من ذلك العبث ، ومع ذلك تجده متثبتا بالحياة حتى ان كان بهذا العبث.
اذن لا يزال الانسان يكافح و يناضل في سبيل انسنة انسانيته ، و في سبيل
صناعة انسانيته. غير ان مع هذا الجور ، و الانفجار الاعم للمعلومة و في زمن الصورة
، صارت الصورة هي كل شيئ و الانسان في زمن النسيان.
الصورة الديجيتالية المملوءة غموض و المبهم و اللاادري ، قدرة التنسان
نداوزت طاقة الانسان.
ولعل مشهد الانسان و هو يدخل متحف الانسان بباريس ، الشاهد الوحيد على
مخلوق مر على هذه البسيطة كان يسمى انسان !
فاذا كان المتحف كفيل ان يجعل الصليب يغدو ان يكون نحتا (مالرو) ، فاين الانسان اذن !؟