المسرح الجهوي لولاية ادرار
العقيد بن دحو
يقول (يونسكو يوجين) في يوم افتتاح المسرح العالمي : "ان المسرح لم
يعد لهوا و لا ترفا ، يبدو انه بدا حياته هكذا....لكن التطور الثقافي و الحضاري
جعله ثقافة وحضارة ، اما اليوم فهو توعية ....، تعبئة....، و
سلاح...سلاح...وسلاح".
كم هو جميل ان تشيد و تبني مرافق ثقافية غبر ربوع التراب الوطني ، و لكن
الاجمل ، و الرؤية الثاقبة ان تؤسس و تبني مسرحا بولاية ادرار فلا اروع. مسرح يبعد
عن الساحل وعن العاصمة الجزائرية 1600 كم.
هو حقا عملا و لا اروع.
رؤية جيواستراتيجية ، بابعاد وطنية اقليمية وعالمية اكثر محلية.
بقدر ما تكون محليا بفدر ما تكون عالميا (روجو،).
هذه القلعة و الحصن الحصين جاءت في وقتها ، و حدودنا ملتهبة ، و في عصر
" الاستباقية" في كل شيئ ، سياسيا اجتماعيا ثقافيا اقتصاديا امنيا و
عسكريا.
وادرار تشهد هذه التنمية الشاملة و لا سيما في الفلاحة و المواد
الهيدروكربونية ، كان لا بد من تتمة لهذه المجهودات ، و هو وجود مسرح جهوي.
قد يحسبه الجاهل مرفقا ثقافيا فنيا فلكلوريا للترفيه و التوجيه. يوفر
الرفاه ، التطهير و التكفير الارسطوي ، من ادران انفعالات النفس ، انما من اجل
التفكير و التغيير ، تلك الفكرة التي تغير وجه المحيط ؛ بل العالم.
من اجل التكوين والاعداد ، و ليس من اجل ذاك التكوين الساذج و الرؤية
الدونية للمسرح ، وولد تكونه اليوم رجل تنقذه غدا (مالرو).
و كان الدولة كانت تعي ان هذه التنمية التي تشهدها ولاية ادرار على جميع
الاصعدة ، و كذا الحوض المائي المكنون ، و اكثر من هذا وذاك الانسان بجميع
امتداداته التاريخية و الثراتية و تاثير الجغرافيا في جميع الثقافات و الحواضر،
حواضر ادرار باركانها وجهاتها الاربعة
"قورارة" ، "توات" ، "تديكلت" ، و"تنزروفت"
كان لا بد لكل هذا من هذا المرفق
الاستراتيجي لاعادة التوازن ، بين الانسان و المحيط ، و بين الانسان و المكتسبات ،
و بين مجهودات الدولة و الشعب. يجب الدفاع عن هذه المقونات و المكتسبات .
كان لا بد ان تعي الساكنة حجم هذه التنمية و ان تعيشها و تنتمي اليها ، عبر
مراة عاكسة لترى نفسها في هذا كله تقييما و تقويما و توعية ايضا.
عندما تشيد الدولة صرحا حضاريا فالناس عادة جبلت على رؤية المسرحيات
الهزلية ، ما يضحك ، غير ان ليس كل ما يلمع ذهبا ، لم يتسنى لهم رؤية حجم
المسؤولية و الوعي ، و الفكرة قبل كل شيئ من وراء العرض الفني التوعوي.
وقديما يقول المثل الشعبي : "الباب اللي تجيك منه الريح سدو و استربح"
!
ويقول في مضرب مثل شعبي اخر : " خذ الراي اللي يبكيك ما تخودش الراي
اللي يضحكك " !.
كم هو مطروح البعد الافريقي و انتمائنا لهذه القارة التي لم تنصف بعد الى
مرفق ثقافي حضاري ، يعيد فينا ماثر الاجداد و الاباء ، افكار الشيخ عبد الكريم
المغيلي ، و العصموني ، وبن با المزملي و
غيرهم....
مسرح يعيد محاكاة سيدي هدارة ، ذاك الرجل الذي صارت قصته دليل معلم في دولة
اخرى و في قلرة اخرى ، دولة السويد مع الباحثة و الكاتبة مونيكا زاك..
من المفروض جاء هذا المسرح ليوقف هذا الهدر الفكري ، وسرقة تراثنا المادي
منه و اللامادي.
ان نتعلم من حكم الزنوج ، دول الجوار : مالي ، النيجر. السينغال ،
وموريتانيا الشنقيطية بلاد الف شاعر و شاعر.
نتعلم مجددا من حكمة الجد (هامباته امبا) : "كلما توفي عجوز افريقي
تحترق وراءه مكتبة".
وان نتعلم من حكمة الاب (امييه سيزاري) : "انه يمسك بالحياة و يعيد
توزيعها حسب قاعدة الغناء و عدالة الرقص".
ان ندرك مجددا ما معنى القناع الافريقي ، و مقارنته بالقناع الاغريقي. حوار
الحضارات و خوار الاديان و الثقافات في حدود انتشار التسامح.
ان نتعلم من نطرية او فكرة اسقاط المرئي على اللامرئي.
فاقريقيا عموما ليست رقص حمقى و طرب و فلكلور عبيد معتوهين كما كان يريده
لنا المستعمر المستدمر ، هز اكتاف وارداف ، و ثقافة زردة و هردة انما هي فكر انساني عميق الجذور ، بكيفية او
باخرى كان شاهدا ، و مشاركا في صنع هذه الحضارة العالمية المعولمة التي نعيشها
اليوم.
هذا هو المنظور للاستراتيجي لهذا المسرح القلعة ، الذي حسب المنظور و الافق
، صار بحكم قربه من دول الجوار الافريقية
الساحل و الصحراء عالميا او على الاقل قاريا.
كما ان الدولة كلما فتحت منشاة ثقافية او فنية تغلق سجنا ، تقلل من حجم
الجريمة و الجنوح والاسرب المدرسي و الافات الاجتماعية . كمن وضعت (شاهد) تحدد فيه
حدودها الداخلية و تضمن تواجدها عبر الزمان و المكان.
كان لا بد ان يكون لادرار مسرحها الخاص ، وفق مكون اخر ، يراعي فيه الابعاد
الاستراتيجية للمنطقة و كذا تاثير الجغرافيا في الثقافة و الفن ، كما هو في
التاربخ ايضا. اذ لا يكفي التاربخ وحده ، و انما توظيف التراث و العادات و
التقاليد ، و الاهازيج الشعبية ، الشبيهة بالتاريخ ، اذ لبناء حضارة يلزمنا تاريخ
و الشبيه بالتاريخ (مالرو).
جميل ان يكون لادرار مسرحا جهويا ، لكن الاجمل ان نعي الابعاد الاستشرافية
لهذا الفضاء و الفن ، حين يذوب الاستغلال الاقتصادي في الاستغلال الفني ، و حين
يذوب الاستغلال الاجتماعي في الاستغلال الثقافي ، و ما يليق بالمسرح عندئذ يليق
بالدولة الجزائرية.
ساعتئذ تتلاشى الحدود و الفروقات الفردانية الداخلية الطبيعية ، و يصير
المسرح معادلا لما يوفره البحر لساكنة الشواطئ و الساحل ، يوفر الوقت و يقلص
المسافات و يوحد الرؤى ووحهات النظر ، مذهب دين واحد ولغة واحدة.
هنيئا ادرار بمسرحها الجهوي ، و على اطارها الاداري الفني التقني المسير و
على النجاح. واول الغيث قطرة.