العقيد بن دحو
الدبلوماسية الجزائرية و "اونتجون Antigone"
لو تدري الدبلوماسية الجزائرية حقا
انها تدري ، من حيث هي فن ببالمقام الاول ، و من بعدها وزارة الخارجية ووزارة
المجاهدين ، ووزارة الثقافة و الفنون و كذا جميع الوزارات السيادية و غير السيادية
، بل كل الدولة اهمية " اونتجون" الدبلوماسية و السياسية الاجتماعية الحضارية
على الصعيدين الوطني و الدولي ، لانزلتها منزلة الصديق الوفي الغيور على الوطن.
ليست مجرد صديقة للثورة الجزائرية و انتهى الامر ، انما ابنة الجزائر الى ابد
الابدين . كونها الزمت عقدة للجيش الفرنسي المحتل قبل و بعد 1953.
صحيح تعود قصة اونتجون الدرامية الى الكاتب الاغريقي صوفوكل ، القرن :
-435(ق.م). تلك الفتاة اليونانية ، المتمردة ، التي ابت الا ان تقف في وجه قوانين
جور و ظلم المملكة ، التي اصدرها عمها كريون في حق اخيها بولينيس ، و منعه بان
تدفن جثته كعقوبه له حيا و ميتا ، و تقديم طقوس واجب العزاء.
الدراما الكونية تراجيدية ، ماسوية بامتياز ، تمشي بهذه الوحدة القاسية
السوداوية الى ان يقبض على اونتجون ، تقاوم ، ترفض ان تستسلم ، ليحكم عليها في
الاخير بالاعدام ، تزف حية تحت الارض ، الى مملكة الاموات (هديز) ، و حيث ملك
الموت (هادس) بلا رحمة و لا شفقة من طرف عمها كريون ، تزف دون ان يرف لها رمش او
جفن ، ساخرة ؛ هامزة ، غامزة ، لمزة الى افول لا يؤوب منه مسافر.
القصة الدرامية لا تقف عند هذا الحد زمانا و مكانا و حدثا، وعظمة الشخصية ،
ووحدة اسلوب ، ووحدة النغم ، و قوة اللغة لا يسمح فيها بهجو او اسفاف او سفور او
اسقاط . انما عندما اتخذتها فرقة جبهة
التحرير الوطني الامثولة المثلى ، و الانموذج الاعلى لمقاومة المستعمر الفرنسي ، و
توعية الساكنة بخطر افة الاستعمار ، وواجب مقدس مقاومته و الحاق الهزيمة به.
و اذا كان القضاء و القدر ، الهة الشر (تيتانوس) Titanus , و(بارك) Parque لامرد
لمشيئتهم. فان الاستعمار الاستدمار الفرنسي يمثل كل هذا الشر بالوانه و انواعه ،
الشر الابيض كما قال المفكر المستشرق رجاء غارودي الذي اسلم على ارض الجزائر ، و
كان صديقا للبلاد و العباد.
القصة لا تقف هنا ، بل لما مثلت ، و تجسدت على ركح المسرح الوطني لاول مرة
1953 ، و لاحظت الجماهير مدى مستوى تضحيات اونتجون الجسام ، ضجت بالبكاء ، مما
اضطر السلطات المستعمرة الفرنسية بالتدخل وتوقيف العرض المسرحي.
خرجت الجماهير مكلومة مفجوعة ، غاضبة، ساخطة على المال و الاحوال التي الت
اليها اوضاعه الاجتماعية .
لم يعد الى دياره ، و انما التحق بصفوف اخوانه المناضلين و المجاهدين
باعالي الجبال ، السهول و الاودية ، و الهضاب،
التلال ، و بالفيافي و الصحاري ، حتى اذا ما جاءت سنة 1954 كانت الثورة شاملة على كل التراب الوطني.
قد يقول قائل اونتجون هذه التي تتغنى بها ايها العقيد ، مجرد ابداع حلم
جمعي ، مخيلة اسطورية ، ادبية استولدتها
الاستعارة !
نعم قد يكون كذلك ، لكن الامم الحية لا تنتظر الوثيقة التاريخية لاتدوين ما
حدث لها و احداثته بالمقابل ، بل هي من تصنع التاربخ ، و من خلال اونتجون و
مثيلاتها الشبيهة بالتاريخ الامم و الدول بنت و شيدت حضارة ، لا تزول بزوال الرجال
، لا يطالها زمن و لا يبطلها تقدم.
اذ " لبناء حضارة يلزمنا تاريخا و الشبيه للتاريخ" (مالرو).
اونتجون ليست مجرد قصة درامية اسطورية ، يبدو تكون كذلك عند امم اخرى اقل عزيمة و اقل شكيمة
، امة لا تقرا و حتى ان قرات لا تفهم !
هي كذلك على الورق ، اما ان تجسدت على الركح في شعب ، تصير واحدة منه ،
ابنته ، ليست بالتبني و انما الشرعية القانونية.
حتى " اذا ما تعلق الشعب بشيئ صار قانونا" كما تقول الاغارقة
القدامى.
هذا ليس منطق شاعر مجنون ، يتبعه الغاوون ، و في كل واد يهيمون ، يقولون ما
لا يفهمون و لا يعقلون و لا يعلمون. انما
منطق التاريخ ، و ليس منطقنا وحدنا ، ففرنسا تبنت قينوس ذات الاصل الروماني
اليوناني ، و مسلات الفراعنه ، و جعلت من جماجم الشهداء الجزائريين متحف انسان !.
اما نحن نريد ان ننسب هذه الفتاة الاغريقية ، التي انارت لنا سييل الكفاح و
النضال و الذوذ عن البلاد و العباد ، ابنة الجزائر ، نمنحها جنسية ، وجواز سفر
فخري ، و تسمى عليها شوارع و مدينة باكملها ، ودور ثقافة .
ما الذي كان يضير السلك الدبلوماسي عندنا الداخلي و الخارجي في حفل
بروتوكولي ، يحضره السلك الدبلوماسي لليوناني المعتمد بالجزائر ، ووزارة المجاهدين
، ووزارة الثقافة ، ينوهون بهذه الفتاة التي ارتبطت كثيرا بالمخيال العديد من
الادباء و المثقفين و الفنانين الجزائريين.
و بهذا تكون دولة الجزائر اصطادت عصفورين بحجر واحد، ازدهار الدبلوماسية ،
ومنخ معنى جديد للتاريخ الجزائري القائم على الابداع و ليس فقط على البحث التاريخي
الكلاسيكي الرتيب.
" انا لا ابخث انا اجد " او كما قال الفنان العالمي الرسام
بيكاسو في حق صورة المناضلة الجزائرية جميلة بوباشو
لا بد من اعادة النظر في كل الانماط الكلاسيكية المتبعة و اضفاء عليها
الطابع الحديث الراشد العصري الاستشرافي اللوجستيكي..فالحكمة ضالة المؤمن ، و
ضالتنا ان نحول التراب الى تبر و التبر الى ذهب.
ان نحول الحجر الى حجر فلاسفة ، كل قصيدة متحجرة تتحول الى حديث بالف صوت.
ليت بني قومي يفهمون ، يدركون ان اونتجون لو كان بلدا اخر وجدته على غير
ارض الجزائر ، لجعلوا منها مقاما يتعبد ، من حيث صوت الشعب من صوت الاله Veix populei ex veix dei
قضية اونتجون يا ناس ليست قضيتي الفردانية ، انما قضية ذاكرة كفاح امة
ووطن.
تبدو قصة هامشية ككل الاهتمامات الكبرى التي تبدا صغيرة ، لكن مع مرور الوقت و تقدم السن ، تصير زمنا لا يمكن الخطى
فيه مرتين ، و ان الزمن لاله رحيم
اونتجون يا رجال ، و يا سارية الجبل ، الكلمة السر لاي نجاح مرتقب ، و
النجاح يجر النجاح كما ورد في الاثر.