تاريخ التفسير ومراحل تطوره في العهد النبوي وعصر الصحابة
تاريخ التفسير ومراحل تطوره في العهد النبوي وعصر الصحابة
تاريخ التفسير ومراحل تطوره في العهد النبوي وعصر الصحابة
ثانيا: طبيعة الخلاف المنقول عن الصحابة في التفسير:
[تتمة]
... وإن كان مقصود السائل معرفة ما في الاسم من الصفة المختصة به، فلا بد من قدر زائد على تعيين المسمى، مثل أن يسأل عن القدوس السلام المؤمن، وقد علم انه الله، لكن مراده ما معنى كونه قدوسا سلاما مؤمنا ونحو ذلك.
إذا عرف هذا، فالسلف كثيرا ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه، وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر، كمن يقول: أحمد هو الحاشر والماحي والعاقب. والقدوس هو الغفور، والرحيم، أي أن المسمى واحد، لا أن هذه الصفة هي هذه الصفة.
ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاض كما يظنه بعض الناس، مثل ذلك: تفسيرهم للصراط المستقيم: فقال بعضهم: هو القرآن، أي اتباعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه الترمذي، وروله أبو نعيم من طرق متعددة: "هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم" . وقال بعضهم: هو الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث النواس ابن سمعان الذي رواه الترمذي وغيره: "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو من فوق الصراط، وداع يدعو على رأس الصراط" ، قال: "فالصراط المستقيم هو الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن" .
الصنف الثاني:
أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى [لفظ الخبز] فأري رغيفا، وقيل له: هذا، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده، مثال ذلك: ما نقل في قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}
[فاطر:32] فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للمحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين {والسابقون السابقون أولئك المقربون} [الواقعة:10،11].
ثم إن كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، ويقول الآخر: السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع. والناس في الأموال إما محسن، وإما عادل، وإما ظالم، فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات. والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، وأمثال هذه الأقاويل.
فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطلق، والعقل السليم يتفطن للنوع، كما يتفطن إذا أشير له إلى الرغيف، فقيل له: "هذا هو الخبز" اهـ.