حامد حبيب
الهند...أرضُ العجائب "١٢"
"India... wonderland"
_ جلال الدين محمد أكبر_
امتدت فترةُ حكمه من عام (٩٦٣ه/١٥٥٦م _١٠١٣ه/
١٦٠٥م).,
وبرغم أنه ينحدر
من أسرة امتازت
بالثقافة المتوارثة فيها ، لكنه
حُرِم من قدر وافر من التعليم في الصّغَر
فلم يُخسِن القراءة والكتابة ، ومع
ذلك فقد فاضت
حياته الطويلة بالنشاط العقلى،إذ كان قوىّ الملاحظة
متلهّفاً للمعرفة، فتعلّم عن طريق التلقين والإصغاء....
وكانت ذاكرته قوية
تستوعب كل مكان
يُقرأ فى حضرته من كتب قيمة .
وقد وُلِد (أكبر) عن أب
سنّى المذهب وأم
شيعية
لكنه لم يشغل نفسه إلا بعلوم أهل السنّة ،حين التقى
بالمشتغلين بالحكمة ،
فعرف كثيراً من المسائل الفلسفية والأسرار الصوفية فبنى داراً
للعبادة لتكون
منتدى الفقهاء والمتصوّفة ورجال الدين
يتدارسون
كتاب الله وعلوم التفسير والحديث والفقه والأصول والفلسفة.
وكان يتعبّد فى كهفٍ غير بعيد من قصره ، ويمضى ليالٍ بأكملها يناجى ربه برموز
صوفية.
وحاول أن يمزج نفسه بالهند
وشعوبها من مسلمين
وهنادكة ، ومضى يعمل على انضواء الهنادكة
جميعاً
تحت راية الحكم الإسلامي عن رضى
وقبول بتآلُف
قلوبهم ، وفتح أبواب بلاطه لهم
حتى بلغ كثيرون منهم أعلى مناصب الوزارة والقيادة.
ووفد إلى بلاطه البعوث التبشيرية،فوقّر دينهم،وكان
يرد عليهم رداً مهذّباً فى وقت
كانت أوربا تجتاحها
موجات مدمّرة من التعصّب ، حيث
كان الكاثوليك
يفتكون بالبروتستانت فى فرنسا،ويذبح البروتسانت
الكاثوليك فى انجلترا ، ومحاكم التفتيش تنكّل ببقايا
المسلمين واليهودفى أسبانيا،ورجال الكنيسةبإيطاليا
كانوا يَحرقون العلماء .
غير أن (أكبر) بعد أن بحث فى الديانات عموماً ،رأى
من ناحيته أنها تمثّل الأسرار التى تحيط بالكون، لذا
ودّ لو استطاع إذابتها فى مذهب
جديد يقوم على
التوحيد ، ويجمع مافى
هذه العقائد من فضائل ،
ويقضى على الخلاف بينها ، ويزيل مابين الناس من
فوارق ، ويدعم أخوّة الإنسان ليبلغَ
بذلك إلى قيام
التجانس فى بلاده ، إلا أن مسعاه
لم يكلّل بالنجاح
فى مؤتمر الأديان الذى كان قده ، وحشد له الصفوة
من رجال الأديان وشيوخ العقائد على اختلاف مللهم
ونحلهم، ذلك أن هؤلاء الأعلام لم يتبادلوا فيما بينهم
إلا أفظع التُّهَم وأفحش الشتائم.
وعلى ذلك فقد أدرك (أكبر) قبل أن
يأتى الفلاسفة
المحدثون بزمن طويل ، أن المعتقدات مستقلة تمام
الاستقلال عن العقل الصرف.
___________
وتلك الفكرة هى التى حاول البعض مؤخراً فى البلاد الخليجية إحيائها تحت
دعوى "دين الإبراهيمية"....
وهى جعل الأديان
تذوب جميعها فى ذلك
الدين الجديد ، والذى تصدّى له الأزهر
وعلماء المسلمين،
ومازال أدعياء تلك
الدعوة الجديدة بأوهامهم وأغراضهم الدنيئة
يحاولون بثّها بين
الأوساط الواهية ، والهدف
منها التمزيق لوحدة
المسلمين
وإثارة الفتن ، رغم أنها فكرة قديمة
فشلت فشلاً
ذريعاً بمجرّد الدعوة لها.
____________(سنواصل....إن شاء الله)
حامد حبيب_مصر