الهند...أرضُ العجائب ١٦ _ قيام دولة باكستان_
"India... wonderland"
_ قيام
دولة باكستان_
قام
البريطانيون بنفى ( بهادر شاه
الثانى ) آخر السلاطين البابريين من
الهند،بوصفه الزعيم الروحى
لأهلها من المسلمين
، بعد أن
أعلن اللورد (النبرو) حاكم الهند
البريطانى أنّ العنصر الإسلامى فى الهند
هو عدو بريطانيا الأصيل ، وأن
السياسة البريطانية
فى الهند يجب
أن تهدف إلى
تقريب العناصر الهندوكية إليها
لتستعين بهم فى القضاء على الخطر
الذى يتهدّد بريطانيا فى هذه البلاد.
وعلى هذا المبدأ
، بطش البريطانيون بالمسلمين الذين قادوا
الثورة الوطنية ،
فأقصوهم إقصاءاً شاملاً عن
كل وظائف .الدولة التى
كانوا يشغلون عدداً كبيراً منها ، وجهدوا فى تقويض كل أوضاعهم الاقتصادية والثقافية
، ثم اصطنعوا أبناء الطبقات الهندوكية المتوسطة
فى الوظائف الصغيرة ،
فلا يتخطونها إلى المناصب الكبرى.
ولم يكتفِ هؤلاء
المستعمرون بهذا ،
بل أخذوا يزيّفون تاريخ
الحكم الإسلامي بالهند
ويُظهرون سلاطين المسلمين وعمّالهم
بمظهر الطُّغاة ، ثم
انطلقوا بعد ذلك يدعون الهنادكة إلى إحياء ماضيهم القديم، بقصد إثارتهم على
مواطنيهم من المسلمين،
مما قاد إلى مذابح رهيبة متكرّرة وخلافات عميقة
متواصلة شغلتهم جميعاً حيناً من
الدهر عن مناوءة
الحكم البريطاني بالهند.
بعث اضطهاد البريطانيين للمسلمين في الهند شعوراً
قوياً بضرورة العمل على توحيد صفوفهم
من جديد
ورفع معنوياتهم وإصلاح حالهم ،
حتى نهض السيد
( أحمد خان ) فى أوائل
النصف الثانى من القرن
التاسع عشر الميلادي، يفصح عن هذا الشعورإفصاحاً
عملياً ، فرسم لقومه منهجاً
يحققون به نهضتهم، ونبّههم إلى أنَّ نفورَهم من
البريطانيين لايعنى التزام
العُزلة والتخلُّف عن
المشاركة فى ركب
الحياة الهندية ، وأنّ الاطلاع على المدنية الحديثة وعلومها
واقتباس الصالح منها
واجب على المسلمين، ولايتعارض أبداً مع التفقُّه فى أمور دينهم والتمسّك
بآداب الإسلام وتقاليده
، ثم اتجه
للبريطانيين يخبرهم بعدول
المسلمين عن عدائهم لهم ،
حتى
يخفّف من حدّة
اضطهادهم لهم ،
إذ كانوا قد
أبعدوهم إبعاداً شاملاً عن كل وظائف الدولة وأغلقوا
أبواب الرزق فى
وجوههم ، وأنّ
تعسُّف شركتهم البريطانية
وسوء إدارتها هو
الذى أدى لثورة الوطنيين عام١٨٥٧م.
وشمّر (أحمد خان) عن ساعد
الجدّ فى حزمٍ وعزم
وانطلق يعمّم اصلاحاته
فى أغلب نواحى
الحياة الإسلامية _ غير مُلتفِت
لاتهام بعض الرجعيين
له
بممالأة المستعمرين والمروق من الدين _ ودعا قومَه
الاعتراف من علوم الغرب ، وراح فى مجلته" تهذيب
الأخلاق" ينقد أحوال
المسلمين ويتقصّى الأسباب التى
أدّت إلى زوال مجدهم القديم ، وكان من أعظم
أعماله الخالدة: إنشاء كلية"عليكر" بشمال الهند، التى
تحوّلت من بعد
ذلك إلى جامعة ، عقب عودته من زيارته لبريطانيا
عام ١٨٧٥م ،
والتى قامت فيها الدراسات الغربية
والإسلامية جنباً إلى
جنب على أرقى منهج جامعى آنذاك.
وحينئذٍ نادى بضرورة تمثيل المسلمين
فى المجالس
الهندية التشريعية بنوّاب
مستقلّين منهم ، حتى
لاتطغى طائفة الأغلبية على طائفةِ الأقلّية
فى هذه
البلاد التى تُعَد فيها العقائد أساس حياتها السياسية
والإجتماعية ، وجهر بأنَّ المسلمين والهنادكة أمّتان
مختلفتان تمام الاختلاف فى العقيدة والتقاليد وكل
شئ..ومالبث تلاميذُه الذين حملوا رسالته من بعده أن أعلنوا أنّ
قدرةَ محاسبة البريطانيين التى فرضها
رائدهم (أحمد خان) _من قبل_قد
استوفت أجلها ،
وأن واجب المسلمين غدا يفرض عليهم أن ينتزعوا
حقوقهم من أيدى المستعمرين ، حتى أفصح المُفكّر
المُلهم (محمد إقبال) ، وهو من أبناء جامعة "عليكر"
عن وجوب قيام
وطن خاص بالمسلمين وحدهم بالهند ، ورسم
حدود هذا الوطن على الأساس الذى تقوم عليه دولة باكستان اليوم.
ومالبث المسلمون بجهود زعيمهم
(محمد على جنه)
مع الرابطة الإسلامية ، إلى تحقيق قيام دولة لهم ، بعد أن
أصرّوا على رفض
جميع عروض المؤتمر
الهندى ، الذى
كان يتزعّمه (غاندى)
حتى لاتضيع حقوقهم فى تيار الغالبية الهندوكية ، وحتى لايكون
لأحد وصاية عليهم ،
فأعلنوا مولد
"باكستان" فى
(٤أغسطس ١٩٤٧م) .
_______________(سنواصل...إن شاء الله)