{ رابطةُ المُثقَّفين الأفارقة }
_______( ١٠ )_______
دور الطُّرق الصوفية فى الصومال
---------------------------------------
ينظر الكثيرون إلى الطرق الصوفية نظرة سطحية
وربما يختزلونها فى ذكر
وإنشاد وأوراد وزهد واعتكاف ، بمعنى أنهم يرونها طرق تميل للخمول
والاستسلام ..لكن من
يقرأ بجدّية عن حقيقة تلك الطرق وتاريخها العريق فى أفريقيا ، ستتغيّر نظرته
تماماً ، وسيدرك مدى
قدرها ودورها العظيم فى نشر
الإسلام فى
أفريقيا،وأنها خرّجت أبطالاً يدافعون
عن دينهم بصلابة
عقيدتهم ونضالهم المستميت ضد كل قوى الاستعمار والحملات التبشيرية المصاحبة
له فى كل مكان.
* ففى الصومال مثلاً ،
أدّت الطرق الصوفية دوراً بالغ الأهمية فى نشر الإسلام والحفاظ على قيمه
ومبادئه والتصدى
للمبشرين والمستعمرين ،فكانوا
رهباناً بالليل
وفرساناً بالنهار ..فهم يتجمّعون فى حلقات الذكر يرفعون به أصواتهم، وينشدون
القصائد فى مدح رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
حتى إذا ماجاء الجَدّ
ونادى منادى الجهاد أن دافعوا
عن عقيدتكم، سارعوا
بحمل أسلحتهم، وتقدموا
صفوف المقاتلين .
*ومما يُذكِّر بالفخر ،
موقف رجال الطرق الصوفية
وعلماء الدين فى أيام
استقلال الصومال عام ١٩٦٠م
حينما وصل إلى مسامعهم
أنّ وفداً من إسرائيل
سيحضر إلى الصومال
للتهنئة بعيد الاستقلال ،
فقامت المظاهرات فى المساجد
وتعاهدوا جميعاً
على القتال حتى الموت،
ولايدخل إسرائيلى أرض
تلك البلاد المؤمنة.
وقد كان، ولم يحضر إسرائيلى
واحد ، وكانت الصومال
بفضل هؤلاء، من الدول
الأفريقية القليلة التى
لم تعترف باسرائيل، ولم
تتعامل معها مباشرة
ولابالواسطة، ولايوجد بها يهودى واحد.
* كما كان لرجال الطرق
الصوفية وللعلماء مواقف
خالدة أيام العدوان
الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦م،
فقد اعتبروه عدواناً
عليهم أنفسهم، وكوّنوا لجاناً
لجمع التبرعات من أجل
مصر وعاشوا بقلوبهم معها،
وهو نفسه موقفهم فى
عدوان يونيو١٩٦٧م.
* وللصوفيين طرائف
تُذكر عنهم ..فإنهم إذا أرادوا
تنفير الجماهير من فكرة
معيّنة فمثلاً ، يسمّون
اللاتينية "أصل
لغة المستعمر":اللادينية، ويسمّون
المُبشّرين : المُغوين
، ويسمّون الاستعمار:استخراب.
* ومن أشهر الطرق
الصوفية فى الصومال:
_القادرية : نسبة إلى
سيدى عبد القادر الچيلانى من العراق..وهى أول الطرق التى وصلت إلى الصومال
عن طريق أتباعها
المهاجرين من اليمن وحضرموت
وانتشرت فى مصوّع
ومقديشيو وزيلع.
_الطريق الأحمدية أو
الإدريسية، والتى أسسها:سيد أحمد بن إدريس الفاسى، المتوفى فى بلاد عسير
بالسعودية سنة١٨٣٧م.
_الطريقة الصالحية :
نسبة إلى محمد بن صالح، شقيق ابراهيم الرشيد،أحد تلامذة أحمد بن إدريس.
_الطريقة الرفاعية :
نسبة إلى سيدى أحمد الرفاعى
من أم عُبيد
بالعراق..وأتباعها كان أغلبهم من العرب المستوطنين.
_ الميرغينية أو
الختمية، والتى أدخلها إلى الصومال
الشيخ رمضان المصوعى.
*ولما دخل التبشير هذه
البلاد اتّبع أسلوباً خاصاّ
للإغواء والترغيب
مختفياّ خلف مستوصف طبى يبنيه لعلاج المرضى، أو مدرسة للتعليم، أو مزرعة
يعمل فيها الفلاحون،
أوومصنع، وهكذا..ومن خلال
ذلك يبدأ بنشر دعوته
باللين والرفق..فتيقّظت الطرق
الصوفية لخطر هؤلاء
المبشرين، وقام شيوخها بالتحذير منها والدعوة للجهاد المقدّس باسم الإسلام
وأقاموا المدارس
والكتاتيب والمساجد لتحفيظ القرآن وتفسيره، كما حبّبوا لمريديهم التعاون والاتحاد
والتمسك بمكارم الأخلاق وحبّبوا إليهم
البذل والتضحية بالنفس
والمال فى سبيل الدين،
وخاصة استطاع مبشران
بريطانيان تحت حماية
الاستعمار البريطانى أن
يحوّلا بعض الصوماليين
عن الإسلام بإعطائهم
الهدايا المالية والملابس والطعام والعلاج، وأن يجمعوا خمسين طفلاً من الأيتام
واللُّقطاء وحملوهم على اعتناق المسيحية
فأعلن الصوفيون الجهاد
المقدس ضد المبشرين
ورجال الحامية
البريطانية..ولما حاول المبشرون
الأمريكيون المصاحبون
لشركات البحث عن البترول
تفعيل دورهم عن طريق
تعليم اللغة الإنجليزية وتشويه معتقدات الطلاب وأن يمدّوا نشاطهم خارج
العاصمة، قاومهم الشعب
الصومالي بقيادة زعمائه
من العلماء ورجال الطرق
الصوفية.
*إنها لم تكن تعنى مجرد
التقشف والزهد، بل منهم العلماء والتجار والمجاهدين..تلك الصورة الحقيقية
لهؤلاء الأبطال الذين
دافعوا عن دينهم وعقيدتهم
دفاعاً مستميتاً، وخرج
منهم الأبطال والزعماء الذين حرّروا البلاد من المبشرين والمستعمرين.
_________________
حامد حبيب _ مصر