ماذا تعرف عن حملة الإسكندر المقدوني على أفغانستان؟
ماذا تعرف عن حملة الإسكندر المقدوني على أفغانستان؟
أصبحت حملة الإسكندر المقدوني على أفغانستان في عام 330 قبل الميلاد مُجرَّد حملة هامشية في إرثه، لأنها كانت المنطقة التي شهد فيها أمير الحرب العظيم أقل نجاح مثل العديد من القوى العسكرية العُظمىَ الأخرى التي ستتبعه من الإمبراطورية البريطانية إلى الإتحاد السوفييتي إلى حلف شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، دخل الإسكندر إلى أفغانستان بِكل ثقة، ولكن قامت المنطقة بمواجهته بشكل عنيف، وعلى الرغم من أنَّه لم - يُهزم - صراحة أي معركة في أفغانستان، إلّا أنَّه لم يحصل على شيء أيضاً، في الواقع يرى المؤرخون أن الحملة الأفغانية الوحشية مثَّلت تحولاً في الإسكندر من الفتى الذهبي المعصوم عن الخطأ إلى الرجل القاسي المٌصاب بجنون العظمة.
لماذا دخل الإسكندر
أفغانستان في المقام الأول؟ أحضر الإسكندر جيشه إلى الأرض التي كانت تُعرف حينها
باسم باكتريا (أفغانستان حالياً) للبحث عن رجل يُدعى بيسوس، وهو الرجل الوحيد الذي
كان يقف بين الإسكندر وعرش الامبراطورية الفارسية، بيسوس هذا قام بإغتيال الملك الفارسي
داريوس وأعلن نفسه الملك الأخميني الجديد، ونظراً لتوغل الإسكندر في بلاد الفٌرس،
فاضطر أن ينقل الملك الجديد بيسوس مقره إلى جبال أفغانستان شرقاً، وكان بإمكان
الإسكندر ببساطة تجاهل بيسوس واتخاذ أي لقب يريده والمضي قدماً في طرقه للغزو، لكن
لم يكُن هذا هو ما اعتقده الإسكندر، فهو رأى نفسه الحاكم الشرعي للإمبراطورية
الفارسية، وبيسوس باعتباره مغتصباً، لذلك أراد إحضار بيسوس ومن معه إلى العدالة،
وكان سيأخذ رجاله إلى الجحيم للقيام بذلك.
بمطاردة بيسوس في
أفغانستان واجه الإسكندر عقبة ضخمة، وهي جبال الهندوكوش التي يبلغ ارتفاعها 7960م
عن سطح البحر، والتي تمتاز بطيبعتها القاسية والثلجية، كانت قيادة جيش عبر هذه
الجبال إنجازاً هائلاً في القرن الرابع قبل الميلاد، ولكن مات الكثير من
المقدونيّين في القمم المُتجَمّدة، وعندما وصلوا أخيراً إلى الجانب الآخر لم يجدوا
أي راحة، وبدلاً من ذلك تعثَّروا مباشرة في صحاري شمال أفغانستان حيث مصادر المياه
الشحيحة والحر الشديد، وعلى الرغم من هذه الظروف الكابوسية تمكّن الإسكندر ورجاله
من عبور جبال الهندوكوش وصحراء أفغانستان، ولكن عقباتهم لم تنته عند هذا الحد، فأن
أفغانستان قدَّمت القليل من المعارك المفتوحة حيث كان بإمكان الإسكندر التباهي
بعقله التكتيكي اللامع، وبدلاً من ذلك كان الصراع هنا بطيئاً ووحشياً، حرب
العصابات والحصارات التي تركت الإسكندر ورجاله منهكين وخائبين الأمل، فكانت الجبال
المُتجمدة والصحاري المشتعلة في المنطقة بعيدة كل البُعد عن ساحات القتال التي
اعتاد الإسكندر وجيشه عليها، وأصبحت المعارك المفتوحة شيئًا من الماضي.
قضى الإسكندر عامين
مؤلمين في أفغانستان، أي جزء كبير من حملته التاريخية عبر غرب ووسط آسيا، وكان
هدفه الأساسي في باكتريا هو أسر بيسوس، وقد أنجز ذلك وأصبح ملك الأخمينيين المٌطلق،
لكن الثمن الذي دفعه مقابل تلك الرفاهية كان باهظاً، كان أنجح عدو للإسكندر في
أفغانستان هو الأرض نفسها، ففقد عدداً أكبر بكثير من الرجال بسبب القمم المتجمدة
في الهندوكوش أو الصحراء الشمالية الأفغانية الحارقة أكثر من أي مقاومة عسكرية
واجهها، وعندما حاول الاشتباك مع قوات العدو كانت المعارك عبارة عن حرب عصابات
وكمائن وكر وفر، فقد وصف المؤرخ الكلاسيكي بلوتارخ تكتيكات رجال القبائل الأفغانية
في حرب العصابات بأنَّها هيدرا من الأسطورة اليونانية، أي كلما قطع الإسكندر رأساً
واحداً كان ثلاثة آخرين ينمون مكانه، ضمنت الجبال والكهوف في أفغانستان أن القتال
لم يتم أبداً بشكل حقيقي وكان هناك عدو جديد دائماً في الجوار، تمكنت جيوش
الإسكندر من الفوز في كل معركة واجهوها لكن الطبيعة التي لا نهاية لها وتكتيكات
الحرب الجديدة للصراع أثقلت معنوياتهم جداً.
تمكَّن الإسكندر من ترك
بصماته على أفغانستان، فأسس العديد من المدن أثناء مطاردته لبيسوس في جميع أنحاء
أفغانستان، والتي لا يزال بعضها موجوداً حتى اليوم، وأبرزها مدينة قندهار التي
أطلق عليها الإسكندر اسم (الإسكندرية أراكوسيا)، ويُعتقد أن اسم قندهار نفسه مُشتق
من الاسم الفارسي للإسكندر، كما وجد الإسكندر زوجته الشهيرة روكسانا التي أحبَّها
وتزوجها وأنجب منها، لكن بينما ترك الإسكندر بصماته على أفغانستان تركت أفغانستان
بصماتها عليه.
ملاحظات:
- الصورة التي على
اليمين تٌصور جيش الإسكندر وهو يعبر جبال الهندوكوش.
- الصورة التي على
اليسار تٌصور مٌحارب أفغاني مٌعاصر للإسكندر.
via publish: eyal
alkhateb