الفكرة التي ادخلها محمد على باشا إلى مصر
انشاء طواحين الهواء
"قبل أكثر من مائتي عام عانى الشعب المصري من مشقة طحن الغلال وتكبد
تكاليف باهظة في استخدام مطاحن الدواب المستخدمة في تلك الفترة"على إثر ذلك أصدر
محمد علي باشا أمرًا ملكيًا في مطلع القرن التاسع عشر ببناء طواحين تعمل بطاقة الرياح
لتغطي احتياجات الشعب والجيش من الدقيق اللازم، وأمر بنشرها في عدد من المدن وهي القاهرة،
الإسكندرية، رشيد، إدكو ودمياط."
إلى أن الإسكندرية نالت نصيبًا كبيرًا من إنشاء طواحين الهواء حيث تم
إنشاء العشرات منها على طول سواحل المحافظة، بدء من المندرة شرقًا وحتى منطقة المكس
غربيًا، استغلالًا لطاقة الرياح التي تميز طبيعة المدينة الساحلية إلا أن جميعها اندثرت
ماعدا اثنتين".
طاحونة المندرة
على بعد 400 متر من كورنيش الإسكندرية، تقع طاحونة المندرة الأثرية بالقرب
من حدائق المنتزه الملكية، في صورة شبه متهالكة بعد أن أفقدتها عوامل الزمن ريشاتها
وتهالكت أجزاء من بنائها الذي شيد منذ نحو 210 أعوام، بعد أن ظلت تؤدي دورها حتى عصر
الميكنة الحديثة وإنشاء طواحين يطلق عليها التوربينات أو مولدات الرياح، واندثرت على
إثرها الطواحين القديمة.
إن تاريخ إنشاء طاحونة المندرة يعود إلى عام 1807 وكانت تستخدم في طحن
الغلال للشعب والجنود الذين كانوا يؤمنون سواحل الإسكندرية، وتم تسجيلها كأثر عام
1967
طاحونة المنتزه.. حيلة الخديوي
على بعد أمتار قليلة من طاحونة المندرة المتهالكة، تقع طاحونة أثرية أخرى
داخل حدائق المنتزه الملكية وتحمل اسمها "طاحونة المنتزه"، ورغم قرب المسافة
بين آخر طاحونتين أثريتين في المدينة الساحلية إلا أن الأخيرة كانت الأكثر حظًا حيث
استطاعت الصمود بحالتها الطبيعية محتفظة بأجزائها كاملة، نظرًا لوجودها داخل حرم الحدائق
الملكية التي حظيت برعاية واهتمام أكبر.
ومن بين كافة طواحين الهواء في الإسكندرية تفردت طاحونة المنتزه التي
تقع داخل حدائق عن مثيلاتها إذ كان سبب بناءها مختلفًا عن غيره، بحسب الدكتور إسلام
عاصم نقيب المرشدين السياحيين في الإسكندرية، مبينًا أنها شيدت بعد 90 عامًا تقريبًا
من بناء طاحونة المندرة وتحديدًا بين عامي 1892 و1898 بقرار من الخديوي عباس حلمي الثاني
حيث كانت حيلة ذكية من الأخير لترسيم حدود حدائق المنتزه الملكية وقت إنشائها.
يقول نقيب المرشدين السياحيين" في عام 1892 قرر الخديوي عباس حلمي
الثاني بناء مصيفًا ملكيًا له وعائلته وضيوفه في منطقة المنتزه والتي أصبحت بعد ذلك
حدائق المنتزه الملكية الشهيرة، وفي هذا الوقت كانت أغلب المنطقة عبارة عن أراضي زراعية
قريبة من ساحل البحر المتوسط يسيطر عليها عائلات من المزارعين."
بدأ رجال الخديوي في ترسيم حدود حدائق المنتزه لبناء استراحته الملكية
الشهيرة، إلا أن بعض سكان المنطقة كانوا يأتون ليلًا لنقل العلامات الهندسية التي سيتم
بناء أسوار الحديقة عندها لكسب مساحات أكبر من الأرض، وهو ما سبب إزعاجًا للعاملين
على بناء الحدائق والذين شكوا للخديوي من تكرار الأمر بصورة شبه يومية".
ولفت إلى أن الخديوي لم يشأ استخدام القوة في ترسيم حدود حدائقه وقصره
الخاص، لأنه كان يريد قضاء أوقات استراحته في سلام وتعايش بجوار أهالي المنطقة، حتى
طرأت إلى ذهنه فكرة ذكية بعد أن علم بأن بعض المتسببين في نقل نقاط حدود الحديقة يديرون
عدد من طواحين الهواء في المنطقة، ليستدعي على إثرها كبيرهم ويطلب منه تشييد طاحونة
خاصة بالخديوي".
واستكمل قائلًا: "في بادئ الأمر أبدى كبير الأهالي آنذاك تخوفه من
أن يتسبب بناء طاحونة هواء خاصة بالخديوي في عزوف الأهالي عن استخدام باقي الطواحين
التي يديرونها في المنطقة، واللجوء إلى الطاحونة الخديوية مجاملة للأسرة المالكة، إلا
أن الخديوي وعده بأنها ستكون خاصة بطحن الأعلاف الخاصة بالخيول والحيوانات داخل حرم
القصر والحدائق".
وتابع: "عندما تم الانتهاء من بناء طاحونة المنتزه، فاجأ الخديوي
كبير الأهالي بأن الطاحونة ستكون علامة لبداية حدود حدائق المنتزه بما لن يدع مجالًا
لتغيير الأماكن المحددة لاستكمال بناء الأسوار، وهذا يفسر سبب وجود الطاحونة ملاصقة
لأسوار حدائق المنتزه الملكية في وقتنا الحالي".
من بين عشرات طواحين الهواء التي بنيت قبل قرنين من الزمان في عهد أسرة
محمد علي باشا، لم يبق سوى اثنين فقط في الإسكندرية، تقاوم إحداهما خطر الانهيار، فيما
تقف الأخرى صامدة، لتذكير الأجيال الجديدةبجزء من تاريخ الآباء والأجداد
***********************
***********************