كيف قتلت سميرة موسى؟ قد نجد الإجابة على هذا السؤال في إجابة سؤال آخر، من هي سميرة موسى؟
شهد عام 1917 ولادة أنثى سوف يكون لها مستقبل وبصمة مميزة.. ولدت سميرة في قرية بمركز زفتي، والدها كان ذا مكانة مرموقة بين أبناء القرية وإجتمع في بيته أهل القرية ليناقشوا التطورات الإجتماعية والسياسية، انتقلت مع والدها إلى القاهرة واقامت في فندق بالحسين والتحقت بمدرسة قصر الشوق ثم مدرسة بنات الأشراف، تعلمت القراءة والكتابة وأجزاء من القرآن في عصر كان من النادر أن تحظى المرأة بأي تعليم أو تدخل إلى مدرسة خصوصًا هؤلاء الذين انتموا إلى القرى الصغيرة...
شهد عام 1919 ولادة أنثى سيكون لها مستقبل وبصمة مميزة...ولدت راشيل ابراهام ليفي في "حارة اليهود" تلقت تعليمها في المدارس الفرنسية ثم التحقت بكلية الآداب، بدأت حياتها بعد التخرج بالعمل في بيع الملابس وتطورت موهبتها في الخياطة حتى ذاع صيتها ووصل إلى مسامع الأمراء والملوك وعلية القوم وهنا لمعت عينا "راشيل" وشعرت أنها قادرة على "أكثر"، هناك أصداء تناديها، أصداء الشهرة...
بعد إجتيازها التعليم الثانوي إلتحقت "سميرة" بكلية العلوم جامعة القاهرة وهناك لفتت نظر أستاذها "مصطفى مشرفة" أول عميد لكلية العلوم وتفوقت على زملائها وتخرجت وكانت الأولى، لمعت عينا "سميرة" وشعرت أنها قادرة على "أكثر"، هناك أصداء تناديها، أصداء الشهرة...
عينت عميدة بالكلية بعد حرب شرسة ضد المعترضين وكان دكتور "مشرفة" حليفها ضد الأساتذة الإنجليز ثم حصلت على الماجستير في التواصل الحراري للغازات...
سرعان ما التقت " راشيل" ب"بهيجة حافظ" الفنانة التي كانت بوابتها لعالم العمالقة، عالم الإبداع حيث سيصبح أي شيء ممكن "التمثيل والسينما"، بدأت العمل مع الفرقة القومية المصرية ثم إنتقلت إلى فرقة زكي طليمات لتبدأ الانطلاقة الحقيقية نحو النجومية من خلال فيلم "الضحايا" مع العظيم "زكي رستم"...
سرعان ما سافرت "سميرة" إلى بريطانيا لدراسة الإشعاع النووي وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وهي بوابتها لعالم العمالقة وأكثر الوحوش رعبًا وشراسة، من خلال دراستها توصلت إلى تقنية تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس وبالتالي صناعة القنبلة الذرية من مواد في متناول الجميع ثم قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان دولة إسرائيل المحتلة عام 1948 وقريبًا ستتصل الخطوط بين "عبقريتها" و"إكتشافاتها" و"إسرائيل" و"راشيل" لتشكل الشبكة التي ستقتلها....
وجدت "راشيل" سلمة أخرى، سلمة عالية نقلتها من نجمة إلى مجرة كاملة تشع في كل أنحاء مصر، كانت السلمة "محمد عبد الوهاب" وذلك بأن صنعت معه دويتو رومنسي في العديد من الأفلام مثل "ليلى بنت الصحراء" و"أولاد الذوات" و"سيف الجلاد" و"رصاصة في القلب".....
دعت "سميرة" إلى ضرورة التسلح النووي فنظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من العلماء من كافة أنحاء العالم، راقبتها عيون كثيرة بإعجاب كما راقبتها عيون أخرى بخوف، بترصد، وبحمل نية خبيثة. ..إنضمت أيضًا إلى "لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية. سافرت إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا لتدرس في جامعة "أوكريدج" ثم بعد أن عادت إلى مصر استجابت إلى دعوة للسفر إلى أمريكا مرة أخرى عام 1952......
تزوجت "راشيل" من المهندس "مصطفى والي" توثيق آخر لمصريتها وإنتفاء أي عنصرية لديها، فهي أصبحت من صفوة المجتمع المصري، تنتمي لأحد الزوايا الأهم في مجتمعنا وكل المجتمعات "السينما"، والآن تزوجت من مصري مسلم اليس كذلك؟ ماذا إذًا عن رفضها دور بدوية تخدم الجيش المصري بينما يستعد لحرب فلسطين وماذا عن رفضها رئاسة الوفد المصري في مهرجان كان .. وبدأت مجرتها تنزف الطاقة ويأفل نورها وما عادت حنى إلى نجمة حيث بدأ الوسط الفني يبتعد عنها.. أما صديقتها التي جمعت بينهما الصدفة فلم تتخلى عنها أبدًا "سميرة موسى"...
زارت "سميرة" معامل الذرة السرية فى أمريكا، قبل ذلك كانت متحمسة للغاية وشاركت كل خطواتها مع صديقتها "راشيل"، أخبرتها بكل شيء، كل خطوة وخلال بقائها بأمريكا تلقت عروضًا للبقاء والحصول على الجنسية لكنها رفضت وفضلت العودة إلى مصر لكن اتفقت على أن يكون هناك تواصل وتعاون في المستقبل وبالتالي تم دعوتها إلى زيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا قبل العودة إلى مصر ببضعة أيام وفي الطريق الوعر ظهرت سيارة نقل ضخمة لترتطم بسيارتها، بأحلامها، بتوقعاتها وتمنياتها وسعيها وتلقي بها في وادٍ عميق غادر، صدع زمني معه تعود مصر إلى الخلف بدلًا من أن تتقدم وتتطور، أما الزميل الصديق الهندي الذي كان معها في السيارة فقد قفز من السيارة قبل الاصطدام واختفى بعد الحادثة إلى الأبد....
إنهارت "راشيل" عند سماعها بما حدث لسميرة وقد كانت في ذلك الوقت أيضًا بأمريكا تتلقى علاجًا لمرض أصابها في الكبد، عندما عادت إلى مصر سجلت حوارًأ صحفيًا مع إحدى المجلات وعبرت فيه عن إشتياقها لبلدها مصر حيث صرحت : "أن أمريكا بكل ما فيها من عظمة وثراء لم تنجح في إزالة وحشتها لمصر.. لقد وحشتني مصر بغبارها وشوارعها وحتى مطباتها ودور السينما ورغيف عيشها المخلوط".
هاجرت "راشيل" بعد مرور عامين إلى أمريكا وكانت قد تطلقت من زوجها "مصطفى" ثم عملت في قسم الاتصال والإعلام الخاص بالوفد الإسرائيلي في هيئة الأمم المتحدة.
"ريتا ديفيد توماس" ولدت في أمريكا، لم تر مصر يومًا لكن لم تنقطع صلتها بها تمامًا فتلك الصلة كانت جدتها " راشيل ابراهام ليفي". وجدت يومًا مذكرات "راشيل" مخبئة وسط الكتب القديمة في شقتها بكاليفورنيا وبها صرحت بمكنوناتها التي لم تجرأ أن تصرح بها لبشر، صرحت بمشاعرها، بمخاوفها، بحبها الطفولي، بمن أعجبت بهم بالسر، بلحظات الضعف والقوة والانتصار والكبرياء والخزي وفقدان الثقة والعشق وقتلها لأقرب صديقة لها "سميرة"...
وإتضح أن الصدفة التي جمعت بين "راشيل" و"سميرة" لم تكن صدفة على الإطلاق فقد جند الموساد "راشيل" ودفعها لتكوين صداقة مع "سميرة" وإتضح أن الأحاديث الأنثوية والليالي التي قضتها "راشيل" في منزل "سميرة" لم تنحصر على الحكاوى وسماع الراديو فقد صورت منزلها بكل أركانه وتفاصيله وصوره وحوائطه وغرفه وأرسلتها إلى الموساد مع كل المعلومات التي حصلت عليها من "سميرة" أو من خلال مرافقتها، إنها حتى إستطاعت سرقة مفتاح شقة "سميرة" وقامت بصناعة نسخة منه ثم أعطتها لعملاء الموساد الذين استطاعوا الدخول بينما تقضي الصديقتان وقتًا ممتعًا في "الأوبرج" حيث تناولتا العشاء واستطاعوا تصوير أبحاثها ومعملها الخاص...
إسرائيل كانت قلقة للغاية من طموح "سميرة" ففضلًا لها مصر كانت على وشك أن تصنع قنبلة ذرية، مصر كانت على وشك الخروج من القمقم إلى النور، إلى قمة العالم حيث يكون كله أسفلها ويكون لها السلطة المطلقة وهنا تدخلت "راشيل" بسرعة فالوضع أصبح حرجا، عرضت عليها الحصول على الجنسية الأمريكية، لكن لهجتها كانت مختلفة كما لو تحولت إلى شخص آخر غريب أو ربما نفضت جلدها وكشفت عن الأفعى التي لطالما تخفت، طردتها "سميرة" فتوعدت لها "راشيل" بالإنتقام...
في أمريكا استقبل "سميرة" وجه بشوش، إمرأة احتضنتها ورافقتها في مصالحها بأمريكا ولم تتأخر عنها في أي طلب، وفي الحقيقة كانت هذه المرأة صديقة مشتركة بين "راشيل" و"سميرة" وما لم تعلمه "سميرة" أنها أيضًا عملت لدى الموساد فأخبرت "راشيل" بكافة تحركاتها ومواعيدها وعلمت "راشيل" بالزيارة الأخيرة فقامت بإبلاغ الموساد الذي أرسل عميل بأمريكا في الموعد والمكان الصحيحين لقتلها وقتل أمل مصر..
أما "راشيل" التي دخلت السينما بإسم "راقية إبراهيم" فقد استقرت بأمريكا وعملت بالتجارة ثم سفيرة للنوايا الحسنة لصالح إسرائيل وكونت مع زوجها اليهودي الإسرائيلي شركة لإنتاج الأفلام وماتت في عام 1978 بسلام....
***********************
***********************