الاستسقاء (2)
هاني الهندي
ورث الاردنيون والفلسطينيون فكرة هذه الطقوس عن أجدادهم القدماء مع مراعاة القيم الدينية والتطور الحضاري، فكانت لهم طقوسهم التي لا تخرج عن الدين، ولعل أول طقس من هذه الطقوس يبدأ مع تساقط قطرات المطر في أواخر شهر أيلول، عندما يخرج الأطفال إلى الحارات والساحات يرقصون فرحين بتساقط المطر ويطلبون من الله المزيد:
انظري وزيدي بِيتْنا حديدي
عمّْنا عبدالله رِزِقْنا عَلى اْلله
هم لا يعرفون أنهم يمارسون طقسا من طقوس الاستسقاء، لكنهم اندفعوا بفطرتهم الطفولية وفرحهم الجميل، منطلقين بأغانيهم ذات الإيقاع السريع التي تحمل في معانيها سر هذا الفرح:
يا ربِ تْشَتّْي تْشَتّْي وَاْرُوح عندْ سِتِّي
تِعْملْ لِي فْطيرهْ قَدْ بابِ اْلْصِّيرهْ
أُوكِلْها وَاْنامْ وَاْصَبِّحْ جِيعانْ
فهم يطلبون المزيد من المطر(تْشَتّْي تْشَتّْي)، وهذا يعني جودة الموسم المطري الذي يزيد من جودة الموسم الزراعي، فيذهبون إلى جدتهم التي عندها الخير والحبوب، فتعمل لهم فطيرة كبيرة (قَدْ بابِ اْلْصِّيرهْ)، وـ الصِّيرَةُ هي حظيرة من خشب وحجارة تبنى للغَنَم والبقرـ يأكلونها، وينامون ليلتهم سعداء وفي الصباح يستيقظون جياعا فتعيد الجدة عمل الفطيرة.
لقد ربط الأطفال زيارتهم لجدتهم بالمطر، وفي حال عدم نزوله لن يستطيعوا الذهاب لأنهم لن يجدوا عندها ما يأكلون.
وإذا انحبس المطر أو تأخر يبدأ القلق والتوتر والخوف عند الفلاح من القادم المجهول، هذا الانحباس يعني الجفاف والجوع له ولأطفاله ولمواشيه، ويحاول رد سبب الانحباس إلى كثرة معاصي الناس فيقول في مثله: "من قلة اهدانا انقلب صيفنا اْشْتانا"، وقد يكون هذا الانحباس بسبب ظلم سادة القوم للفقراء فيطلب من الله الرحمة:
يا ربِّ ما هُو منَّا كلْهْ من أكابِرْنا
نَشَّفْتِ اْلْمطرْ عَنَّا .
ومنهم من يعتقد أن سبب الانحباس ما هو إلا لعدم الالتزام بالأخلاق الدينية فقالوا:
منْ يومْ مَا لِبْسوا اْلْشَّالاتْ ما طاحْ وادي اْلْغَسَّالاتْ
حيث كانت النساء قديما توقد النار من الحطب قرب مجاري الوديان لغسل الملابس، هذه الوديان توقف جريانها لعدم سقوط المطر بسبب الابتعاد عن الدين، (من يوم ما لبسوا الشالات)، والمقصود به عدم التزام بالملابس التي تستر جسد المرأة كالصدر والذراعين.
لذلك يبدأ بالتوسل والاستغاثة بالله من أجل سقوط المطر، فمارس طقوسا يعتقد أنها تساعده في الاستجابة.
***********************
***********************
