جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراء

دردشة من الف كلمة (2)


دردشة من الف كلمة (2)

الكاتب: شفيق الدويك

لا يساورنا أدنى شك، بأن معظم الأسر العربية يشغل بالها ويسيطر على تفكيرها مسألة الإنتقال نحو الطبقة العُليا في المجتمع أو التعلق بأهدابها المثيرة والجذابة. الا يلزم الديتول في هذه الحالة ؟

قلت العُــــــــــليا، ولم أتطرق الى موضوع الطبقة الوسطى ! . ولهذا، عظم عندنا، بل استشرى، موضوع الفساد المالي والإداري والمعيشي، وانهارت منظومة الأخلاق التي كنا نعرفها ونفتخر بها في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، ونمت فكرة التمسك ببعض المظاهر والتي توحي بأنها تساعد في لفت الإنتباه الى هذه المسألة المقلقة وغير المريحة، ونسي الجميع، بكل أسف، مقولة: على قد لحافك مد رجليك بغية تحقيق أمنية العيش ضمن تلك الطبقة ولو صوريا.

لقد إنتقد كثيرون مسألة ترديدنا عبارة: إنت عارف مع مين بتحكي ؟ ، والتي ينطق بها معظم الناس عندنا ، على أساس أنهم من كبارية البلد، إعتقادا منهم بأنها فزاعة مرعبة، تجعل الشخص فجأة وبدون أية مقدمات في مرتبة نخبة البلد، ويحاول الجميع تقريبا التعرف على مفاتيح البلد، أي بلد، بغرض اللجوء اليها، والتمسح بعتباتها، إذا أصبحت الأمور حرجة وجدية، والجميع بلا استثناء يردد: لا بسيطة، حل مسألتك عندي، والبعض يجــزم بأن المسألة الأكثر تعقيدا قد تم حلها. طبعا كذاب !

يجد الكذاب مخرجا في كل مرة، مثل سفر الوجيه، أو إعتلال صحته، أو انه ترك له رسالة.....

من المؤسف حقا، في هذا السياق، أن هدايا تنكات الزيت، وصناديق العنب والتين، ومعظم الولائم والطلعات تصب في ذلك الإتجاه، ولا يتوقف حديث رب الأسرة عن ضرورة تغليف هدايا أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة.

من جهة أخرى، تحاول الفتاة، أو السيدة، أو الشاب، أو حتى الرجل الكبير في السن عندنا إقناع أنفسهم والآخرين بأنهم من الطبقة العليا، وذلك عن طريق بعض المظاهر مثل نوع الهاتف المحمول، أو الإكسسوارات، أو الذهب ( روسي في حالات كثيرة لرخص ثمنه)، أو إستخدام بعض الكلمات أو العبارات، مثل واو، واوكيه، وريلاكس، ولا مامي، أو لا دادي، ونو بروبلم، وشو هالسكووول هاي، بالإضافة الى تعمد الغنج عند النطق ببعض الكلمات أحيانا، وتقليد لهجات غير لهجاتهن ولهجاتهم (الظاهرة منتشرة بين الجنسين)، ناهيكم عن قصات الشعر والوانه، والقروض والسلف وجمعيات الإقتراض التي تنجز بغية إتقان المشاهد المصطنعة الشاغلة بال معظم الناس.

نحن نقضي جل عمرنا من أجل إبهار غيرنا وكيدهم، بخلاف الإنسان الغربي الذي لا تعنيه هذه المسألة، بل ولا تخطر على باله.

لقد أدى التمسك بالمظاهر عندنا الى إرتفاع معدلات العنوسة، لأن البنت وأهلها (دون الأب في حالات كثيرة، لأنه قد فقد هيبته)، يصرون على الحصول على ما يضمن لهم مظهرا لائقا أمام الجيران والأصدقاء وبعض الأهل، ومحاكاة سوسو وتوتو. وفي نفس الوقت، يتطلع الشاب الى الإقتران بفتاة متعلمة وعاملة، لكي تساهم معه في بناء عش الزوجية، ولا يتردد الشاب وأهله في بيان هذا الطلب، ويتفق المجتمع مع هذا التوجه، حتى أصبحت ظاهرة.

علينا أن لا ننسى موضوع إستئجار الذهب بغية إبهار الناس في أعراسنا، والإستئجار، كما يعلم الجميع، فيه مذلة وهوان وكشف لواقع الحال !

إن إرتفاع معدلات العنوسة في العالم العربي، على وجه الخصوص، يصب في مصلحة حجم الجرائم الأخلاقية والتفكك الأسري، وفي هذا مؤشر خطر للغاية في أوساط المجتمعات العربية، ولم يُبذل تجاه هذه المسألة الخطيرة، حتى اللحظة، الجهد الذي تستحقه من الجهات ذات العلاقة.

كما ويشغل بال العربي والعربية مسائل (تكبير الرأس) وذلك على حساب المصارحة والمكاشفة والشفافية والصدق وحسن التوجيه. الجميع عندنا يفهم في السياسة، والأدب، والإقتصاد، والإدارة، والكهرباء، والميكانيك، والسيارات، والتلوث البيئي، والطاقة، والأبنية، والأسهم، والسندات، والبورصات المحلية والعالمية، والتخطيط الإستراتيجي، والفنون، وحتى الطعام الغربي.

إن الهامنا وتمكننا ومعرفتنا غير المسبوقة بأدوات الإستثمار، خصوصا في الأسهم والبورصات العالمية، قد جنت على عشرات الآلاف من الأسر العربية المسكينة، وجلطت المئات من الناس، المهم في المسألة القفز نحو الطبقة العليا وبأية وسيلة كانت.

لقد استفاد معظم الناس في العالم العربي، مثل غيرهم من الأمم، من وسائل الإتصال عن طريق الإنترنت في عمليات إشباع رغبات وحاجات نفسية عديدة تقلقهم وتقض مضاجعهم.

يلتقطون الصور عندنا لكي يظهروا ويعززوا فكرة أنهم من الطبقة العليا في المجتمع. المثير هنا انه عندما تحاور بعض تلك الشخصيات، تكتشف، عند أول خلاف معها، بأنك أمام شخص فارغ، أقصد أمام إنسان آخر غير الذي كان يظهر في الصور، وتسمع الآذان من فمه عبارات وشتائم لا تصنّع الاّ في غرف وطرقات حواري العوالم السفلية. بعبارة أخرى، يظهر على حقيقته وطبيعته بعد أن تزال القشرة. من المؤسف حقا هذا الخداع والتصنّع والتكلّف والتزييف المقيت وغير المجدي، وهذا الإكتفاء بذلك المقدار الضئيل من الإطلاع والثقافة والأخلاق.

كنت كتبت مرة: إذا كانت لديك رغبة في إحصاء كم عدد المشاكل التي من الممكن أن تحصل معك في اليوم الواحد، ما عليك سوى النزول الى السوق بسيارتك. تعطي الطريق للناس، ولا أحد يشكرك. تحتاج الى من يعطيك الطريق، فلا أحد يعرض الأمر عليك. تحاول جميع السيارات تجاوزك. تطلب ابعاد الذي تسير سيارته بصورة بطيئة جدا على الجانب الأيسر، فلا يستجيب اليك، لأنه يعتقد بأنه يتنازل الى إنسان لا يستحق. تقرر شراء لحمة بلدية، فتكتشف بأن اللحمة قد تم تبديلها بأخرى مستوردة، لأن طموح اللحام والنجار والطبيب وحتى عامل البناء أن يصبح ضمن الطبقة العليا.

سألت أحدهم: من الذي اشترى سيارة الدفع الرباعي السوداء التي كنت تقودها ؟ قال: الكهربائي الذي أصلح غسالتنا. قلت: هل يملك المال ؟ قال : لا . باع مصاغ زوجته، وأخذ قرضا من البنك، وكفله نسيبه الطبيب، ثم بقي عليه تسديد مبلغ كبير الحجم نسبيا لي.

يتصرف معظم مالكي سيارات الدفع الرباعي والسيارات المرتفعة الثمن عندنا بطريقة إستعلائية مقيتة أثناء القيادة. بعضهم يكون صافنا صفنة نجم سينمائي، وبعضهم الآخر يسترق النظر كي يضمن حصول واقعة الإبهار السخيفة عند الموجودين في الشارع وقرب الإشارات الضوئية على وجه الخصوص. تبا.

أعرف شابا ميسور الحال كان يوقف سيارته الفخمة في مكان مخالف أمام الكافيه (المقهى) الذي كان يرتاده لمواجهة عقد النقص الموجودة داخل عقله.
كان لا يبالي بقيم المخالفات بتاتا. بعبارة أخرى كان يشتري الإبهار، وكان مقتدرا تماما.

يلتقط شبابنا ، وحتى بعض كبار السن أحيانا، بكل أسف، بعض السلوكيات المستوردة نتيجة الإنفتاح و سهولة التواصــــل، دون الأخـــذ بعين الإعتبار أن الكثير من التصرفات " هناك " تتم تحت تأثير الحبوب المخدرة أوالمسكرات، وهي الإستثناء هناك، معتقدين بأن التغيير في الشكل والسلوك وطرق التواصل والغذاء يمنحهم فرصة ثمينة لإقناع الآخرين بأنهم قد تجاوزوا عتبات الطبقة العليا.

علينا مواجهة التسميم الثقافي المكثّف من خلال عمليات تعقيم إعلامية مكثفة، لأن المحافظة على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا فيها تحصين لمجتمعاتنا التي قد تجاوزت الخطوط الحمراء فيما يتعلق بمفهوم الأمن الثقافي.

....يتبع

***********************


***********************

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *